السبت، 3 سبتمبر 2016

قصة : (قَوْمةٌ غيَّرَتِ التاريخ) أو (عنِ المساواة نتحدّث ) ! ( ف / م )



قصة : (قَوْمةٌ غيَّرَتِ التاريخ)  أو (عنِ المساواة نتحدّث ) ! ( ف / م )

- بضعة تنويهات :
تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف ، فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد  نوهنا به .
تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين رجل وامرأة ، فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد  نوهنا به .
تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يقترب من أن يكون ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ
فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به . 
تنويه 4 : هذا العمل ضَرْبٌ من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه ،  ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه ، وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة ، وأي حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف ، وليس حثاً على الحقيقة ، ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يسأل المؤلف عن ذلك .
فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .
تنويه 5 _ وهو فرْعٌ على تنويه 4 _ : هذه القصة تقترب من إحدى الطرق التي تسلكها قصص الخيال العلمي ؛ بأن تغيّر القصة حادثةً من حوادث الماضي ثم تبني على هذا التغيير واقعاً مختلفاً ... ولا شكّ أن النص المقتبَسَ _ الذي ستعتمد عليه القصة في الإشارة إلى حادثة ما في الماضي يؤدي تغيير نتيجتِها إلى خلق حاضر مختلفٍ_ لا شك أن ذلك النص ليس نصًّا قابلاً للتأويلِ مِنْ كل أحد ؛ فهو في النهاية يعتبر نصًا دينيًا يروي قصةً ذات طابع ديني مقدّس لدى مجموعة من الأفراد ، ولا يفوتُ المؤلفَ تأكيدُه على احترامه التام لجميع الأديان والمذاهب والمعتقداتِ ...
 وعليه فالتمسّح بإهاب ذلك النص المقدّس غير مقصودٍ ، وإنما هي خاطرةٌ خطرَتْ عند قراءة ذلك النص ، ويمكن اعتبارُها مستقلّة تماماً عمّا تصادف ورودُها أثناء قراءتِه . فوجب التنبيه على هذا . فإن كانتْ هذه المصادفة _ مع التسليم بأنها مصادفة _ مما يسوؤك / يسوءك فقد نوَّهْنا بها .

- اقتباسٌ :

مِن كتاب (علل الشرائع والأحكام ) لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي ( 918 - 992 ميلادياً ) . طبعة إيران سنة 1872 ميلادياً :-


(( حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار جميعا قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أحمد بن إبراهيم بن عمار قال: حدثنا ابن نويه رواه عن زرارة قال:  ..... ثُمّ سُئِل (عليه السَّلام) عن خَلْقِ حواءَ ، وقيل له إنّ أناسًا عندنا يقولون : إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى؟ قال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، أيقول مَنْ يقولُ هذا : إن الله تبارك وتعالى لم يكن له مِن القدرةِ ما يَخْلُق لآدم زوجتَه مِن غير ضلعه ؟! ، وجَعَل لِمُتكلمٍ مِن أهل التشنيع سبيلًا إلى الكلام : يقول إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضًا إذا كانَتْ من ضلعه ؟! ما لِهؤلاءِ _حَكم الله بيننا وبينهم_ ؟!
ثم قال : إن الله تبارك وتعالى لمّا خلق آدم من الطين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقى عليه السّباتَ ثم ابتدع له خلقًا، ثم جعلَها في موضع النقرة التي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعًا للرجل، فأقبلَت تتحرَّك فانتبه لتحرّكها ، فلمّا انتبه نُودِيَتْ : أنْ تنحِّى عنه! فلما نَظَر إليها نظر إلى خَلْقٍ حسَنٍ ؛ تُشْبُه صُورَتَه غيرَ أنها أنثى ، فكلمَها فكلمَتْه بلغته، فقال لها : من أنت؟ فقالت : خلقٌ خلقني الله كما ترى، فقال آدم عند ذلك : يا ربّ مَنْ هذا الخَلْقُ الحسنُ الذي قد آنسَني قرْبُهُ والنظرُ إليه؟ فقال الله : هذه أمتي حواء ، أفتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك؟ قال: نعم يا رب ولك بذلك الحمد والشكر ما بقيت، فقال الله تبارك وتعالى : فاخطبها إليّ فإنها أمتي وقد تصلح أيضا للشهوة، وألقى الله عليه الشهوة _وقد علمه قبل ذلك المعرفة_ فقال : يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال : رضائي أن تعلمها معالم ديني، فقال : ذلك لك يا رب إن شئْتَ ذلك، قال: قد شئت ذلك ، وقد زوجْتُكها ، فضمّها إليك، فقال: أقبلي، فقالت : بل أنت فأقبل إليّ، فأمر الله عز وجل آدم أن يقوم إليها فقام، ولولا ذلك لكانَ النساءُ هنَّ يذهبْنَ إلى الرجال حتى خطبن على أنفسهن، فهذه قصة حواء صلوات الله عليها. ))


- القصة :

1- في البدء كانتْ المبادِرة !
_____________________________

وقامَتْ إلَيه .......

*****



2- فلماذا ارتدَيْتَه إذاً ؟!
____________________

بمجرّد خروجي من البيتِ ندمْتُ على تلك الخطوة التي بدَتْ لي شجاعةً قبل ثوانٍ ...

لماذا لم أنتظر حتى تصحبني أختي على الأقل ، ما دمْتُ مصرّاً على الخروج في مثل هذه الملابس ؟

ولكنَّ هذا خلافُ ما أؤمن به ! إن كنْتُ سأستعين بحماية أختي ، فهذا مماثل لأن أرتدي ما " يفترض " بي ارتداؤه ! أين مواجهة نسويّة المجتمع المتخلّف فيما أصنع إذا كنْتُ سألجأ لطلب الحماية الخارجية ؟!

ولكنّ المجتمع المتخلف أثبتَ أنّه لا يزال بحاجة إلى كثيرٍ من الإصلاح قبل أن يستطيع الشابّ أن يصنع بجسده ما يحبّ ...

لم أكنْ قد عبرْتُ الطريق بعد .. حتى جاءني صفيرُ فتاةٍ لا أعتقد أنها تجاوزَتْ السادسة عشرة ؛ بنتُ السادسة عشرة تتحرّش بابن الخامسة عشرين ؟ ثم يقولون : ما الداعي إلى الحركة الذكورية "الهرمونيّة الهيستيرية" التي تتشدقون بها ؟!!

حاولْتُ أن أردّ بصوتٍ تعمّدْتُ أن يبدو صارماً ، وأن أنهرَها ...

ولكنّي كنْتُ غافلاً عن وجود أختِها الكبرى على بعد أمتارٍ منها ...

وما إن سمعَتْ هذه نهري لأختِها حتى أقبلَتْ عليّ وعيناها تلمعان ببريق الشر .. والشهوة !

حاولْتُ أن أبادرَها بالكلام ولكنّ لساني عقده الخوفُ فلم أقلْ شيئاً ، وجاءني صوتُ الأخت الكبرى  _التي يبدو أنها في مثل سني_  ليزيد من ابتسامة أختِها وبشْرِها :

- " عندما تخرج في مثل هذه الملابس ، فأنت دعوة مفتوحة لتصنع بك أي فتاة ما تحب ! لو كنْتَ محترماً وابن ناسٍ لما خرجْتَ نصف عارٍ لتراك عيون من هبت ودبت ... بل لو كنْتَ محترماً لما خرجْتَ من بيتك وحدك ، بدون امرأة تحميك ! وكنْ شاكراً أنّ أختي قد اقتصرَتْ على الصفير وهي المراهقة التي لا تستطيع أن تتمالك نفسَها وهي ترى ردفَيكَ يرتجّان في بنطال الجينز الضيق هذا !"

علّقَتِ الأختُ الصغرى في استهزاءٍ :

-  "لماذا ارتداه أصلاً ؟! إنه يكشف أكثر مما يستر ! "

غلى الدمُ في رأسي ، وعلى الرغم من خوفي مما يمكن أن يحدث لي ، فقد أجبْتُ في غلظة :

- " أنْتِ رجعيّة متخلفة ، وأختكِ ستشُبّ لتكون مغتصِبَةً ينتهي بها الحال في حبل المشنقة !! "

كانَتِ الأختُ الكبرى على الذي يظهر من هؤلاء المتظاهِرات بالأصالة والشهامة ؛ اللواتي ترين في خروج الشاب وحده من بيته عيباً ، ولكنّه عيبٌ لا يعني أن تتخلى النساء عن أصالتهنّ ويتحرّشْنَ بهم ، ولكنْ عندما سمِعَتْ ما اعتبرَتْه تبجحاً فقد أعلَنْتَ سحبَ حمايتِها عنّي ، ونظرَتْ إلى أختِها المراهقة وكأنها تعطيها الضوء الأخضرَ لتصنع ما تحبّ ، وما إن خطَتِ الأختُ الكبرى خطواتٍ مبتعدةً عنا حتى مدّتْ المراهقةُ يدَها إليّ وكأنها تحاول أن تمسّني .. فصرخْتُ !

لم يكنْ صراخاً عاديًّا ؛ كان ذلك الصراخ الذي يعلن اقترابَ حدوثِ مصيبة .. مصيبةٌ مما لا يمكن تداركه بالكلام ولا بالفعل ؛ فما كُسِرَ في هذا السياق لا يرمَّمُ !

ولم أكنْ أدري أنّ أختي _ التي تصغرني بعامين _ كانتْ قد رجعَتْ من جلستِها مع صاحباتِها في المقهى في نفس هذه اللحظة ، وكأنّها علمَتْ تخاطريًّا بما يحدث ... وجاءني صوتُها قبل أن أراها ؛ صرخةً عنيفةً تبعها سباب فاحشٌ احمرّ له خدّاي خجلاً... وشعرْتُ _على الرغم مني ومن كوني عضواً في الحركة الذكورية منذ عشرة سنين _ شعرْتُ بالأمان !

ثم نظرْتُ إلى الفتاة التي كانتْ تهمّ بلمسي .. فشعرْتُ بلذّة فائقة وأنا أرى ملامحها تتحوّل من الذئبيّة إلى الفأريّة في أقلّ من ثانية ... ونظرَتِ ابنة السادسة عشرة في خوفٍ إلى أختي التي هرعَتْ إليها ، ثم نظرَتْ في توسّل إلى أختِها التي استدارَتْ لترى ما يجري وبدَتْ هي الأخرى قلقةً مما ستصير إليه الأمور ...

وكانتْ دهشتي عظيمةً عندما اقتربَتْ الأختُ الكبرى من شقيقتِها ثم هوَتْ يدُها على خد أختها المراهقة بصفعةٍ عظيمة كادَتْ تُسْقط المراهقةَ أرضاً ، ثم جاءَ صوتُ الأخت الكبرى يتظاهر بالصرامة :

- " ألم أقلْ لك أن تحترمي أولاد الناس ولا تتحرشي بالرائح والجائي ! "

ثم توجّهَتْ بالكلام لأختي التي كانتْ قد وصلَتْ إلينا :

- " ثقي أنّه بمجرّد عودتِنا للبيتِ سيحوّل حزامي كلَّ شيءٍ أبيض في جسمها إلى أحمرَ ! "

هزَّتْ لها أختي رأسَها في قبولٍ وكأنّها تعلن رضاها عمّا سيحلّ بالمراهقة .. ثم نظرَتْ إليّ واستدارَتْ متوجهةً إلى البيت فتبعْتها في عجلةٍ ...

وعندما أغلقَتْ بابَ الشقة خلفنا ، أردْتُ أن أعتذرَ ، ولكنّها بادرتني :
- " أنا أؤمن بحقك في ارتداء ما تحب ، ولكن _ رجاءً _ خذ في الاعتبار وجود أمثال هذه النوعيات من البشر بكثرة في مجتمعنا ...ربما في المستقبل ستعيش في دولة غربية تحترم حقوق الرجل .. ولكنْ هنا _في هذه البيئة وهذه الثقافة_ سيكون من الصعب ألا ينشغل بالي خوفاُ عليك كلما خرجْتَ وحدكَ في ثياب يعتبرونها غير لائقة ! "

أمّنْتُ على كلامِها ، وشكرْتُ لها إنقاذي ، وهرعْتُ إلى غرفتي ، وعلى الرغم مني _ ومن إيماني بالمساواة _ ألحّ عليّ ذكرى التهديد الذي ساقتْه الأخت الكبرى لأختها المراهقة ، وذكرى وصف الأخت الكبرى لبنطال الجينز الذي أرتديه ومدى ضيقِه ؛ كان ضيّقاً بالفعل يحتاج نزعي له لكثير من الجذب واللقلقة ؛ _ وعلى الرغم مني _ ربط عقلي بين الذكرَيَيْنِ ؛ وصوّرتْ لي نفسي _ على الرغم مني _ صورةَ الأخت الكبرى وقد استبدلتْني بأختها المراهقة في وعيدها الذي لم يعد كاذباً تريد به دفع بطش أختي بأختها ، بل صار صادقًا على وشك أن يقع ... ثم قرَّرَتْ أن هذا الجينز الضيق لا يصح أن يرتديه شابّ مثلي ليفتن به عيون الفتيات ، فنزعتْه عنّي ؛ كأنّ هذا سيجعل عيون الفتيات أقلّ انجذاباً ... ثم اكتشفَتْ أنّه _ وحدَه_  كان ما يستر نصفي الأسفل .. فتهزّ رأسُها في عدم تصديقٍ لشباب هذه الأيام ومجونِهم وخلاعتِهم ، ثم تنشغل بما تراه لثوانٍ ، ثم تَحْمِل نفسها حملاً على تذكّر ما هي عازمةٌ على صنعِه فتكبّني لوجهي ... وقد استسلمْتُ لها استسلام الدجاجة لذابحتِها ...

كانتْ الصورُ تزداد إلهاباً لعقلي وجسدي ، فخلعْتُ البنطال _ بعد جذبٍ ولقلقةٍ _ وأتبعْتُه ما كان يستر جذعي ، وانطرحْتُ على السرير ؛ أحاكي ما أتمنى _ على الرغم مني _ أن تصنعه بي الرجعيّة المتخلّفة !

ثم قطعَ جلسةَ المحاكاةِ صوتُ طرقِ أختي لباب غرفتي ، ثم جاءني صوتُها :

- " هل تريد أنْ أحْضِرَ أنا الغداءَ من المطعم ؟ إن أمّنا ستعود من العمل قريباً !  "

تذكرْتُ ما كنْتُ قد نزلْتُ لفعلِه في المقام الأول ؛ جلبُ الغداء من المطعم ، كان أبي في زياةٍ لأخيه لمدة يومين ، وهذا جعل إعدادَ الطعامِ من مسئوليّاتي ، ولكنني _ تبعاً لمبادئ الحركة الذكوريّة _ كرهْتُ أن تنتقل مسئولية إعداد الطعام من الذكر الأكبر في الأسرة إلى الذكر الأصغر في حال غيابِ الذكر الأكبر ؛ هذا الربط بين الرجل وبين " شئون أسرتِه " كانتْ معاداتُه مبدأً هامًّا لدينا ! فقرَّرْتُ أنْ آتي بغداءٍ جاهزٍ كبديلٍ لذلك ... ثم كان التحرش والتدخل والعودة للشقة و"المحاكاة" !

حاولْتُ أن ألتقطَ ملابسي وأرتديها بأسرع ما يمكن ، ثم فتحْتُ بابَ الغرفةِ ، وقلْتُ لأختي :

- " سآتي به أنا ، لا داعي لذهابِكِ ! "

أشارَتْ إلى ما أرتديه ، ثم قالَتْ :

- " لو نزلْتَ بنفس الملابس فقد تتعرض لنفس المشكلة ، سأذهب أنا .. "

كدْتُ أعترض ولكنّها كانتْ قد شرعَتْ في التوجّه لباب الشقة ، وقبْل أن تفتحه تذكَّرَتْ شيئاً ، فالتفتتْ ناحيتي ، وسألَتْ في حيرة :

- " مهلاً .. ما الذي يفترض بي أن أطلبَه ؟ "

ابتسمْتُ ، ثم قلْتُ :

- " طلبان من قطع الدجاج المحمرة وطبق متوسط من الأرز الأحمر ، ووجبة حساء منخفضة السعرات الحرارية  "

- " هذه الأخيرة لكَ على ما أعتقد "

- " عيشي ، ودعي الآخرين يعيشوا ! "

- " خلافاً لبرامج الصحة البلهاء التي تتابعها .. فالحقيقة أن الطعام كامل الدسم الغارق في السمن والمشبع بالسعرات الحرارية هو ما يقوّي الجسد ويزيد مناعتَه وصحتَه "

- " سأتذكركِ بهذه العبارة عندما تموتين في الخمسين بتصلب الشرايين ! "

- " بل ستتذكرني بتلك العبارة في كل دقيقة تقضيها جائعاً بسبب سيْرِك وراءَ سرابِ الغذاء الصحي هذا! "

كانتْ قد فتحتِ باب الشقة ثمّ خرجَتْ مباشرةً بعد جمْلتِها الأخيرة ؛ وهي مبتسمةً لأنها لم تتِحْ لي فرصةَ الردّ ؛ عملاً بتلك القاعدة البلهاء : مَنْ يتكلمْ أخيراً يربَحْ !

هززْتُ رأسي وأنا أفكّر : حتّى المنفتحات من هؤلاء النسوة ؛ لا يتخلَّيْنَ تماماً عن همجيتهنّ !

وكأن عقلي كان مترقّبًا ، فما إن مرّتْ فكرة الهمجية به حتى عاد ليصوّر لي الهمجية التي كنْتُ مشغولاً بمحاكاة وقوعها عليّ على يد تلك المرأة ؛ وعاد صوتُها ليقرع مسمعي : "... فأنت دعوة مفتوحة لتصنع بك أي فتاة ما تحب ! " ، فقلْتُ بصوتٍ خفيتٍ _ مع أن الشقة ليس فيها غيري _ : " اصنعي بي ما تحبّين ! " ، وعاد عقلي ليصوّر لي ما يمكن أن ينشأ عن هذا الرد!

********


2- أنا وأخي
___________________

( عامر خلود )

هذا هو اسم أخي

ولكنّي أعتقد أن اسمي لن يُذْكرَ حتى بعد موتي إلا مقترناً باسمه ...

سيتساءل الناسُ حينَها كما يتساءلون الآن :

- من هو ( هاني خلود ) هذا ؟

-  إنه أخو ( عامر خلود ) !

- ذكوريّ آخرُ ؟

- بل هو زوج زعيمة حركة المحافظات !


- هذا محالٌ !

- لو لم أكنْ قد استوثقْتُ من تلك المعلومة مراتٍ ومراتٍ لما صدّقْتها أنا أيضاً !


كنْتُ أنا مشهوراً أيضاً ، ولكنْ بين المحافظين ، وهؤلاء قد صاروا قلّة بعد أن كانوا كثرةً . كنْتُ دائماً ما يُلْجأ إليّ عندما ترغب القياديّات المحافظات في تأكيد أنّ النمط التقليدي للأسرة مرغوبٌ فيه من قِبَل الذكور أيضاً ، وكانَ اليومَ هو أحدُ هذه الأيام ؛ لقاء تلفازي على الفضائية المحافِظة الأكثر شهرةً ، في برنامج موجّه للرجال لم يجدوا له عنواناً أكثر مناسبةً من ( وراء كل امرأة رجل ! ) ، كانتْ هذه من العبارات التي تثير جنونَ الذكوريين ، ولكنّ المحافظات لا يهتممن بتخفيف حدة دعايتِهنّ من أجل هذه أو هذا ...

وردّني إلى الواقع صوتُ المذيع شديد الجمال _ ولكنّه متدثّر في ثياب فضفاضة لا تصف شيئاً من جسمه _ وهو يقول :

- " والآن نستضيف ( هاني خلود ) ، وبالمناسبة فهو أخو الناشط الذكوري المعروف ( عامر خلود ) ، ليوضح لنا رأيَه في قضيّة عمل الرجل . ابتداءً ، هل ترى أنّ تحمّل المرأة لآلام الوضع والولادة بالإضافة لتحملّها لمشقة توفير الدخل للأسرة ، يسمح للرجل بعد ذلك بأن يتنصل من مسئولياته في رعاية الأبناء وتوفير البيئة المناسبة لهم لينشأوا في أسرة صالحة ، تحت وهم أنه يريد تحقيق ذاتِه بعيداً عن ارتباطه بأسرته ؟ "

لم يكنْ ذلك سؤالاً بل كان سؤالاً محشوًّا بإجابتِه ، ولكنْ هكذا طبيعة أسئلة حركة المحافظات على أية حالٍ ، وانشغلْتُ أنا بالإجابة ، أو بترديد ما قاله للدقة ، بعد أن أضفْتُ تجربتي الشخصية في تفرغي للبيت رغم حصولي على شهادةٍ جامعيّة من جامعة مرموقة ... كنْتُ لا زلْتُ في وصف تجربتي الشخصية عندما دنا المذيع بيده من أذنه التي يغطيها غطاء الرأسِ ، فخمّنْتُ أنهم يخبرونه بشيءٍ ما في السماعة ، ونظر إليّ في حماسٍ ، فعلمْتُ أنه سيقاطعُني :

- " المعذرة على المقاطعة .. ولكنْ وردَنا في التوّ خبرٌ عاجلٌ لا يختلف موضوعه كثيراً عما كنّا فيه ؛ هل يمكن للرجل أن يبقى على فطرتِه وطبيعتِه ويلبي رغباتِه التي تمليها عليه ذكورتُه بينما هو يصارع النساء في معترك الحياةِ ... ما سنعرضه عليكم الآن قد وصلَنا في هذه اللحظة ، وبالرغم من عدمِ مناسبتِه لغير البالغين ، فإننا نرى أنّ الفائدة في عرضه أكبر مِنْ أي خطر آخر قد ينشأ عن طبيعة محتواه التي لا تصلح للأطفال ، ونحن نحثّ الآباء على إبعاد أطفالهم عن شاشة التلفاز ؛ لأن ما سنعرضه الآن لا يصلح للمشاهدة العائلية ! "

كان هذا غريباً ؛ سياسة القناة لا تسمح بخروج رجلٍ حاسر الرأس ، فمتى جوّزوا عرْضَ مشاهد لا تصلح للمشاهدة العائلية ؟ إلا إذا ... إلا إذا كانتْ هذه فضيحة جنسية لأحد مشاهير حركة الذكوريّين ، وحينَها سيُضْرَبُ بكلّ قوانين الاحتشام هذه عرضَ الحائطِ ...

ولم يخبْ ظني فما عرضَتْه القناةُ _ وظهر أمامنا في شاشة الاستوديو الضخمة _ كان من تلك الفيديوهات الجنسيّة ، ولكنّ طبيعتَه وطبيعة المشاركين فيه تجعله كنزًا بالنسبة للدعاية التي نحاول بثّها في الناس ...

كان هذا أخي !

لم أكنْ واثقاً من ذلك في البداية بسبب الجودة الضعيفة للفيديو ، ولكنّ الصوتَ لم يدعْ لديّ شكًّا في أنه أخي .. وكان مع حبيبتِه في غرفةٍ يبدو أنها غرفةُ فندقٍ ؛ ولم يكن ذلك غريبًا فالجميع يعلم أن الذكوريين يمارسون الجنس مع حبيباتهم بدون زواج ، ولكنْ ما جعل هذا الفيديو حديثَ الساعةِ كان نوعَ الجنس الذي يمارسانه ، وعلى الرغم من أنه أخي إلا أنني لم أستطع منعَ نفسي من التحديق في ذهولٍ فيما يحدث ... فعلى الشاشة كان أخي ينزع ملابسَه بينما حبيبتُه جالسةٌ على كرسيّ عريضٍ تنظر إليه في شهوة ولهفة وهي لا تزال ترتدي بذلة كاملة ... وعلى الرغم من الجودة الضعيفة فإنني أعتقد أنني رأيْتُ خدّيه يحمرّان خجلاً كأنه موشكٌ على شيءٍ لا علمَ له به مِنْ قَبْلُ ...

وجاء صوتُ حبيبتِه ليقول في هدوء وكأنها تطمْئنُه :

- " في أيّ لحظة تقول فيها كلمة الأمانِ فسأكف عما أصنعه ، وإن لم ترغبْ في أن نفعل ذلك من البداية ، فلا حاجةَ لأن نفعله ! "

قال أخي في حياءٍ :

- " بل المشكلة كلّها في أنني لا أستطيع منع نفسي من الرغبة في أن نصنعه ! "

جاء صوتُها قويًّا ولكنّه لا يخلو من حبّ :

- " حسنًا إذًا ! أنت تعرف أين أريدك ! "

دنا منها أخي وانحنى ليستقر على حجرِها ، ونظرْتُ حولي في الاستديو فوجدْتُ النساء الواقفات خلف الكاميرات يحدّقْن في الشاشة وقد تلهّين بما فيها عن أعمالهنّ ؛ لم تكن هذه رغبة في المعرفة ، لقد كانتْ رغبةً في أخي ! وشعرْتُ بالأسى له ؛ من حق كل رجل ألا تنظر النساء إلى جسده بدون موافقتِه بل إن موافقتَه لا تكفي لدى البعض فلا بد أن يتزوجا أولاً ؛ هذه إحدى أهم مبادئ حركة المحافظات ، ولكن بسبب طبيعة هذا الرجل فقد صار جسدُه مشاعاً لعيون مَن شاءتْ ، وكأنه رقيق ليس له عرضٌ في مجلس السيدات !

عدْتُ إلى الشاشة عندما علا صوتُ الصفعات على مؤخرتِه ، وهو بادي التلذذ _ على الأقل من الصوتِ ، فالصورة ليسَتْ بهذا الوضوح _ بما يحْدُثُ له ... كانتْ هذه العقوبة بالذات وبهذه الهيئة هي العقوبة المعتمدة التي نعاقَبُ نحن _ في حركة المحافظات _بها على أيدي زوجاتِنا وأمهاتِنا بل وأحياناً أخواتِنا أيضاً ؛ ولكنْ يفترض أنها عقابٌ خالصٌ فما الذي لذّ لأخي منها حتى طلبَها بإرادتِه ؟!

كان صوتُه قد بدأ يتحوّل إلى أنين شهوانيّ ، وبدأتْ حبيبتُه تتباعد صفعاتُها على مؤخرتِه لتسمح ليديها بالتجول في جسده بدون رقيبٍ _ سوى الكاميرا التي يبدو أنها زرعتْ بدون علمهما جميعاً _ وبدا أنّ الصفعَ قد انتهى تماماً وحلّ محلّه قبض ولثمٌ ، فقرّر القائمون على القناة أن ما أرادوا إيصالَه قد وصل ؛ وأنّ الاستمرار في عرْضِ ما يجري لم يعدْ يثبتُ شيئاً يحقّر من الذكوريين ، ومن ثم فالاستمرار في عرضه يخالف سياسات القناة !

كان المذيع لا يزال مأخوذًا مما رآه ، ولكن المخرجة لا شكّ أنها أمرَتْه بأن ينتبه لأن الكاميرا صارتْ تبثّ صورتَه وهو متوجّهٌ ببصره جهة شاشة الاستديو ، فالتفت فجأة إلى الكاميرا ، واحتاج لثوانٍ حتى يهيّأ نفسَه لقولِ شيءٍ ، فلما لم يجد شيئاً يقوله ، ألقى الكرة في ملعبي :

- " هل لديك تعليقٌ على ما رأيناه ؟ "

نظرْتُ إليه في مقتٍ ، ما الذي يفترض بي أن أقوله الآن ! ولمّا لم أجد شيئًا أقوله أنا أيضاً ، أعدْتُ الكرة لملعبه :

- " لا تعليق ! "

ظلّ شارداً لثوانٍ ، وهو يفكّر في شيءٍ يقوله ، ويبدو أن المخرجة رأتْ أنّ حيرتَه ليستْ عابرةً بل مقيمةً ، فأمرَتْه في سماعة الأذن أن يقول شيئاً ، فقاله :

- " شيئاً عن الاتصالات ! "

ثم فطن إلى ما أرادته المخرجة :

- " آه .. المعذرة .. ما عنيْتُه هو أننا سنتلقي اتصالاتكم الآن على هاتف البرنامج  "

كان يعلم أن مواقع الليبراليين والذكوريين _التي توسعه سخريةً على ما يقوله بدون أن يخطئ _ ستستلقه سلقًا على هذه السقطة الشنيعة ، ولكنّه مضطرٌ للاستمرار في البرنامج ، لقد كان زوجَ المخرجةِ ، ويجب عليه طاعتُها !

جاء الاتصال الأول فأخبر المذيعُ المشاهدين بذلك ، ليترك الفرصة للمتصلة في أن تبدي رأيَها ، وبمجرّد سماعي صوتَها  فقد علمْتُ أنّ المقطع الذي عرضتْه القناة قد جلبَ جمهوراً سيصعب التخلص منه ، قالَتْ في بذاءة فجة :

- " أريد لو سمحتم أن تعيدوا المقطع مرةً أخرى ، فأنا لم أشاهدْه من بدايتِه ... لقد كنْتُ أتابع قناةً أخرى ثم غيَّرْتُ المحطة فجأة في منتصف المقطع ... ثم ألا توجد  جودة أفضل من هذه  ؟ "

قال المذيع في حرج :

- " لو سمحْتِ ، الهدف من عرض الفيديو كان إظهار ازدواجية نشطاء الحركة الذكورية ، وليس ... "

قاطعَتْه ، بصوتِها المتحشرج من أثر التدخين :

- " ازدواجيّة على العين والرأس ... ولكنْ لماذا لا تستمرون في عرض ازدواجية هؤلاء النشطاء ؟ نحن كشعب نطلب منكم كقناة أن تُطْلِعُونا على الازدواجية كاملةَ ، وحبذا لو كانتْ الازدواجية بجودة أعلى حتى نراها بوضوح ... "

كانتْ المخرجةُ قد قطعَتِ الخطّ ، ولم يحتجْ زوجها إلى تنبيهٍ هذه المرة فقال من تلقاء نفسِه :

- " يبدو أننا فقدْنا الاتصال لأسباب تقنية ، على أية حال .. هل هناك اتصال آخر ؟ نعم . نتلقى الاتصال ! "

جاء الصوتُ الرخيم واضح المخارج هادئ النبراتِ ، فعلمْتُ على الفور وظيفةَ المتحدثة ؛ امرأة دين ... وبالطبع فلديها اعتراضها على ما عُرِضَ :

- " ابتداءً أرغب في شكر قناتكم على تحملها عبء محاربة أهل الفساد والإفساد العابثين بمقدرات البلاد والعباد الآخذين على عواتقهم تغيير ما ورثناه عن الآباء والأجداد ... "

كنْتُ أعلم أن السجع لن ينتهي قريباً ، ولكنه سينتهي بـ " ولكني " ، فانتظرْتُها ، فجاءَتْ :

- " .... ولكنّي أعيب على قناتكم التي سبق من مدحي لها ما يدفع عني شبهة التجني عليها .. أعيب عليها عرض مثل هذه الصور التي تذهب المروءةَ من نفوس نسائنا وتعصف بالحياء الواجب في حق شبابِنا ، وإنْ عُدِم الحياءُ لدى الشباب على أيدينا نحن فقد فتحْنا البابَ لعدوّنا بأنفسِنا .. "

- " ولكننا نبَّهْنا إلى عدم صلاحية المقطع للمشاهدة العائلية "

نظرْتُ مبهوتاً للمذيع الذي قاطع لتوّه امرأة دينٍ ... وجاء صوتُها هي الأخرى مندهشاً وغاضباً وآمراً في الوقت نفسه :

- " لا تقاطعْني رجاءً ! "

نعم ، لا تقاطعْها رجاءً ، أنا لا أعلم الغيبَ ، ولكني أجزم أنّ المخرجة لن تنتظر عودتَكما للبيتِ لتفعل بك ما فعلتْه حبيبةُ أخي به ! وإن كان بين الفعلَينِ فارقاً هائلاً ؛ فأنتَ لن تمنح كلمة أمانٍ ولا كلمة خوفٍ ، ولن ينتهي بك الحال في حجرِها وقد تحول العقاب إلى ثواب ، بل سينتهي بك الحال باكياً وحدَك وقد تركتْكَ زوجتُك دون أن تواسيك بكلمة ؛ أنا أيضاً لديّ خبرةٌ ميدانيةٌ بما يحدث في مثل هذه الظروف ! 

 وجاء صوتُ المذيع المعتذر خائفاً _ بعد أن وصله التنبيه بل وربما الوعيد من زوجته في سماعة الأذن _ :

- " خالص الاعتذار .. أنا لم أقصد إلى مقاطعة سيادتكنّ "

كأنّ نون التفخيم ستنجيك ! انسَ أن تجلسَ مرتاحاً لمدة أسبوع على الأقل !

وعاد الصوتُ الرخيمُ مرةً أخرى :

- " كما كنْتُ أقول _قبلَ أن أقاطَع _ فالحياءُ مقدّمٌ في حق الشاب على سائر الخصال ، وهو التاجُ الذي إن عُدِمَ فسائرُ أخلاق الشاب إلى زوال ... "

كان السجع على وشك أن يستمرّ لفترة طويلة قادمة ... ولكنّي كنْتُ متلهيًا عنه بمنظر أخي الذي ظل يلح على ذهني رغماً عنّي ... للدقة فما كان يلح على ذهني ليس منظر أخي ، وإنما منظر حبيبته ؛ كانتْ _ على الرغم من أني لم أقابلْها في الواقع ، فقد انقطعتْ صلتي بأخي من فترة بعيدة _ هي امرأة أحلامي !

في الواقع لقد كان أكبر أسباب انجذابي لحركة المحافظات هو رغبتي في أن أخضع لامرأة ما ، وقد قلْتُ ذلك صراحةً لإحدى المنظّرات الكبيرات في حركتِنا فقالتْ إن هذا شعورٌ طبيعيّ يدل على سلامة ما ندعو إليه؛ لأنه يتماشى مع الفطرة والطبيعة الذكورية التي تتوق دوماً للحماية والرعاية والعطف والعقوبة إن لزم ...

ولفترة طويلة قنعْتُ بذلك ، وغضضْتُ الطرف عن كثير من التجاوزات والإهانات التي تقع عليّ من زوجتي ، وعددْتُها أيضاً من جملة الفطرة والطبيعة الأنثوية التي تميل إلى البطش والعنف وتجاوز الحدّ .. ولكنْ ما شعرْتُ به  قبلَ قليلٍ عند رؤيتي لحبيبة أخي  كان أشبهَ بشعور شخص استبدّ به العطش ، ولم يجد إلا ماءً آسناً فعبّ منه ، حتى نسي حلاوة الماء العذب ، فلما جاءه ذلك كاد يجنّ من عذوبته ؛ أنا الآن أكاد أجنّ  !

فيما بعد سأروي القصة كاملةً من وجهة نظري لما حدثَ في الاستديو في ذلك اليوم ، ولكنّ جزءًا لا يستهان به من أنصار حركة المحافظات سيصرّ على رواية أخرى لما حدث ؛ لماذا ينزع رجلٌ محافظٌ معروفٌ بمحافظتِه متزوجٌ من زعيمة المحافظات .. لماذا ينزع رجلٌ كهذا غطاءَ رأسه على الهواء مباشرةً ، ويسير حاسر الرأس ليخرج من الاستديو ومن زواجه ومن أفكاره المحافظة في نفس اللحظة ؟! أليس كونه مسَّتْه جنيّةٌ وأذهبَتْ عقلَه هو التفسير المناسب ؟!

أما أنا فكانتْ روايتي تتفق معهم في أن السبب فيما فعلْتُه هو امرأة ولكنها ليسَتْ جنية بل بشرية ، ولم تمسّني بل أرَتْني _ وإن كنْتُ اعتذرْتُ منها فيما بعد على اطلاعي بدون إذنها على ما فعلَتْه بأخي ، فعذرَتْني _ كانتْ هذه المرأة هي السبب في اقتناعي بإمكانية تلبية رغباتي بدون أن أضطر معها إلى تحمل الإهانة والتحقير ، أو كما قالَتْ هي _عندما اجتمعْتُ معها ومع أخي_ : بدون أن ينتقل ما تفعله من غرفة النوم  إلى ما سواها !

كان هذا بالضبط هو ما أريده ؛ خضوع تام في غرفة ومساواةٌ تامة خارجَها ، وبينهما بابٌ مفتاحُه كلمةٌ من لساني ! لماذا استغرقني إدراكُ ذلك ثلاثًا وعشرين سنة ؟!

************



3- كليشيه !
______________________

كان الألم لا يزال ملحًّا عليّ !

ها هي ذي ، وها أنا ذا !

للّيلة المئة ربما !

 ربّما استمرّ الأمر أكثرَ من ذلك ، ولكنّه لم يزد على سنةٍ  ، فأنا لم أبدأ في هذه " المهنة " حتى بلغْتُ الثامنة عشرة ، وأنا لم أصلْ بعدُ إلى التاسعة عشرة ، فأنا أعلم يقيناً أنه لم تمرّ علي سنةٌ في هذا المكان الكئيب !

اقتربَتْ منّي ، ورائحةُ الكحول المنبعثة منها تزكم أنفي ...

قالَتْ وكأنها تخاطب ببغاءَ :

- " لا صفقة ! "

وظلَّتْ تكرّرُها حتى فطنْتُ أنها تريدني أن أكررها وراءَها ، فقلْتُ بعربية ركيكة :

- " لا سفكه ! "

ضحكَتْ في استهزاءٍ ، ثم قالَتْ بإنجليزية شديدة الركاكة :

- " لا بأس .. لا بأس ... هذا .تقوله .عندما .لا اتفاق. المال أولاً ! "

لم أكنْ بحاجة إلى معرفة ما تقوله لأفهم مرادَها ، كانَتْ مؤخرتي قد تعلمَتِ الدرْسَ ونقلَتْه لي ؛ لا تمارس الجنس مع أي راغبة متعة حرام  (كما تسمَّى الزبونات في هذه البلد ) قبل أن تنال أجرَتَكَ أوّلاً ؛ هذا هو ما لم أفعلْه البارحة ، وما تسببّ في حوار فوق - لغوي بين حزامها وبين مؤخرتي على مدار ساعة كاملة أمسِ ...

وعندما رأتْ لونَ مؤخرتي بعدما فرغَتْ من عقابِها أعطتْني اليومَ إجازة ، ثم غيَّرَتْ رأيَها وهاتفتْني لأرتدي ملابس العمل (وهي ملابس مجازاً ، فمعظم جسدي عارٍ ) وأنزل إلى الشارع لأقابلَها ثم أفْرَغُ للزبوناتِ ، قلْتُ لها في الهاتف : إن مؤخرتي لا تزال حمراء، وملابس العمل تكشف معظمَ هذه المؤخرة ، فقالَتْ : ومن يدري ؟ لعلّ بعض الزبوناتِ ترغبْن في تكرار ما تسبّب في احمرارها فتكونُ مؤخرتُك الحمراءُ دعايةً تمشي على قدمين ؛ أو على الأقل هذا ما فهمْتُه من إنجليزيتها المقطعة التي تعتمد أكثر من اللازم على إشاراتِها بيديها وهذه لا ينقلها الهاتف !

والآن قد التقَيْنا في الشارع كما أمرَتْ ..

كرَّرَتْ للمرة الألف نصيحتَها :

- " لا صفقة ! "

وأشارَتْ إليّ بيديها كأنها تحثني ، فقلْتُ _وأنا أغلي كرْهاً لها _ :

- " لا سفكه ! "

رفعَتْ لي إبهاماً يشير إلى رضاها عن أدائي، ثم حطأتْني على مؤخرتي شبه العارية ، وأشارَتْ إلى جانبٍ فارغٍ من الطريق ليس فيه شبابٌ آخرون من " موظفيها " ، فوقفْتُ فيه منتظراً ما تحمله الليلة ...

كانَتْ السياراتُ لا تتوقف عن المرورِ بنا ؛ معظم سائقاتِها أتيْنَ للفرجةِ ، ولكنْ عندما تتوقف إحدى السيارات ونهرع إليها ، ويبدو لنا أن صاحبتَها لا ترغب في الدفع وتتسلى بكلامِنا ؛ نشير إلى الزعيمة ( هكذا تطلب منا أن نسميها ، بدلاً من أن نسمّيها قوّادةً ) ، وهي تتكفل بطرد المفلسة التي تريد أن تستمتع بلا مقابل !

أما السيارات التي تتوقف ثم تنصرف وقد زاد ركابُها من واحدة إلى اثنين ... أو أكثر من اثنين أحياناً ... فهذه سيارات معروفة في الأغلب ، وليسَتْ بهذه الكثرة ، لذلك تجد تنافسيّة كبيرة بين العاملين في هذا المجال  ... ومعظم السيارات التي تحمل زبونات من النوع المرغوب فيه  تكون سياراتٍ فخمة ، وتأتي في أوقات ثابتة ، وقد صرْنا نعرف ميعادَ كلّ سيارة و"ذوق" صاحبتِها ، لنرتدي ما لعله يجذب عينيها ...

كان اليوم هو الثلاثاء ، وهو الميعاد الثابت لمجيء سيارة الدفع الرباعي الشبابية _وإن كانتْ سائقتُها قد تجاوزتِ الشبابَ إلى الكهولة _ وكانتْ صاحبة سيارة الدفع الرباعي هذه من أكرم الزبونات ؛ ومن أدقهم ميعاداً أيضاً ؛ كل يوم ثلاثاء في التاسعة مساءً ، كأنه ميعاد عمل .. وكان كل الشباب يتمنون أن تُقِلّ أحدهم ، هذا يعني أن يحصل على أجره مضاعفاً وزيادةً عليه إكراميّة ضخمة ؛ وكانَتْ الزعيمة تسمح لنا بالاحتفاظ بهذه الإكراميّات ؛ لتكون حافزاً على زيادة الكفاءة ، أو هذا ما وصلني من مفرداتِها غير المتلاصقة .

على مدار الأشهر التي عملْتُ فيها هنا لم تخترْني صاحبة سيارة الدفع الرباعي هذه أبداً ؛ كان " الزملاء " يَعْزُون ذلك إلى وطنيّتها التي تحول بينها وبين الانسياق وراء شائعات أفضليّة اللحم الأبيض على اللحم الأسمر ! وكنْتُ أنا أعزو تعليقاتِهم إلى الغيرة ؛ _بعيداً عن لون اللحم _ إنّ عمر أصغرهم يزيد عليّ خمس سنين ، وجسم أنحفهم يزيد عليّ عشر كيلوجرامات ؛ وما لمْ تكنْ الزبونة "فاسدة الذوق" فما الذي يجعلها تُقدّم الأكبر والأضخم على الأصغر والأنحف ؟!

طرقع أحد الشباب بإصبعيه ليشدّ انتباهي فنظرْتُ إليه ، فأشار إلى شيءٍ ورائي ... ولم أشكّ في ماهيّة هذا الشيء ، كانتْ ساعة يدي تشير إلى التاسعة واليوم هو الثلاثاء ... هذه عربةُ الدفع الرباعي ، ولكنّي فوجئْتُ عندما التفتُّ بسيارتين لا واحدة ؛ عربة الدفع الرباعي، وسيارة أخرى يبدو من شارة (إذن الدخول إلى الجامعة ) التي تعلو زجاجها الأمامي أن صاحبتَها حديثة عهْدٍ بزيارة هذا المكان الموبوء ...

بدأ الشباب في الاندفاع تجاه سيارة الدفع الرباعي وكلهم يتمنى أن يكون هو المختار ، وكنْتُ أنا آيسًا من سيارة الدفع الرباعي فتوجهْتُ للسيارة الأخرى ؛ أنزلَتْ صاحبتُها من زجاجِ نافذتها الجانبيّة ، فبدا لي وجه امرأة في الخمسيناتِ ترتدي عويّناتٍ لا علاقة لها بالموضة ، وتسريحة شعرِها _ إن كانتْ تتعمد تسريحَها أصلاً _ مسجّلة في اليونسكو ، لو كنْتُ أجيد العربية لأخبرتها في سخرية أن المكتبة في الجهة الأخرى من المدينة ، ولكنّ ما أعرفه من العربية بضعة جمل كلها تتعلق بالأوضاع الجنسيّة التي يفترض أن أطبّقها ، بالإضافة للجملة التي تعلمتها مؤخراً : ( لا سفكه ) ، والتي أرجو ألا أضطر لاستخدامها مع هذه المرأة الحجرية !

توقَّعْتُ أن تتكلم أو أن تتحرك بسيارتِها ، ولكنّها ظلتْ صامتةً وظلَّتْ سيارتُها واقفةً مكانَها ، وسمعْتُ صوتَ " الزعيمة " وهي تستفسر بإنجليزيتها الركيكة عن " حالة الزبونة " فأشرْتُ إليها ألا تتدخل بعد ... ثم نظرْتُ إلى المرأة الحجرية فوجدْتُ الذعر يغزو ملامحها ، وأردْتُ أن أقولَ شيءٍ لطمأنتِها ، ولكن لعلها لا تجيد الإنجليزية ، ثم قلْتُ في نفسي إن نغمة الصوت ستغني عن فهم الكلام إن لم تفهمْه ، فقلْتُ :

- " أعرف أن هذه الممارسات ترتبط لدى مَن هم في مثل جمودك بكل الموبقات الممكنة ؛ عصابات ، ومخدرات ، وقتل . ولكنْ في الواقع فباستثناء بعض التحرشات التي يتعرض لها الجميع تقريباً ، فنحْنُ لا نُجْبَرُ على أكثر من العمل في كل الظروف وبمقابل زهيد ؛ تماماً كما لو كنّا عمالاً في مصنع ! فلا خوفَ عليكِ ؛ ليس هناك أسلحة في هذا الشارع  "

لم تكن هذه طمأنةً بسيطةً ، ولكني شعرْتُ أثناء كلامي أنها تفهم ما أقوله فتمادَيْتُ ؛ أنا لم أتحدّثْ مع أحدٍ بالإنجليزية بهذه " الكمية " منذ وطأتْ قدمي أرض هذا البلد ... وصدق حدسي فجاءني صوتُها الوقورُ في لغة سليمة وإن تكنْ ذات لهجة أجنبية :

- " جمودي ؟! هذه مفردة لم أوصَفْ بها من قبل ! "

عادَتْ الزعيمةُ لمناداتي ، فتساءلَتْ الجامدة _وقد اكتسبتْ جرأةً سبَّبَتْها طمأنتي لها على الأغلب_ :

- " ما الذي تريده هذه ؟ "

- " إممم .. كأيّ ربّة عمل ، فإنها لا تريد أن يقتصر الزبائن على الفرجة ! "

ضحكَتْ الجامدة ضحكة وقورةً ثم أشارَتْ لي لأدخل السيارة ، فدخلْتُ ، فكفَّتْ ربة عملي عن الصراخ ، وأغلقْتُ النافذة لننعزل عن العالم الخارجي ؛ كانتْ هذه إحدى المتع المحببة إلى نفسي .. تلك اللحظات التي أفترض فيها أن سيارة الزبونة ستبتعد بي عن كل مشاكل الدنيا وعن كل همومي .... وتذهب بي إلى الـ"نيفرلاند" ؛ في الواقع لقد كانتْ لديّ متلازمة (بيتر بان) متقدمة منذ كنْتُ في سنّ (بيتر بان) ... وكنْتُ على وعيٍ تامٍّ بها ...

فاجأني سؤالُها الذي أتى بلا مقدماتٍ :

- " لماذا هربْتَ ؟ "

- " هربْتُ من ماذا ؟ "

- " أسرتك ، بلدك ؛ ما الذي تصنعه هنا ؟ "

كنْتُ متفاجئًا من هذه الصراحة ، ولكني أجبْتُها في غلظة :

- " هذه أول مرة لكِ على الذي يظهر ؛ نحن لا نسأل أسئلة شخصية في مهنتي هذه ... هل تريدينني أن أسألكِ لماذا تركْتِ زوجكِ نائماً في فراشكما ، وخرجْتِ لتبحثي عن ليلة حمراء مع أحد شباب الليل ؟! "

جاء ردّها هادئاً خلافاً لما توقعْتُه :

- " أنا لسْتُ متزوجةً ، ومع ذلك فأنا لا أستطيع إقامة علاقة ، ولو عابرة ، مع شخصٍ لا أعرف عنه شيئاً ! "

- " ربما عليكِ أن تجربي مواقع المواعدة إذاً ؛ لا أحدَ منّا يخبر زبوناتِه شيئاً عن نفسه ! "

- " ماذا عن المقابل المادي ؟ سأعطيك مالاً مقابل كل إجابةٍ "

كان هذا مغريًا ؛ الآن نتحدث لغة مشتركةً ... ولكنّي كنْتُ أطمع في المزيد :

- " لن يكون المطلوبُ قليلاً ! "

- " وأنا مستعدة للإسراف ! "

كان هذا أفضلَ من أن يكونَ حقيقةً ، ولكنّي تذكرْتُ " نصيحة " الزعيمة ؛ كان من الصعبِ أن أنسى تلك النصيحة  بينما أنا جالسٌ عليها ، فقلْتُ :

- " الدفع مقدماً ! "

ضحكَتْ ، وقالَتْ :

- " حسناً ! سأعطيك عشرين مقابل كل إجابة . هل هذا مقبولٌ ؟ "

كاد الطمع يغريني بأن أطلب المزيد ، ولكني نهيتُه ، وقلْتُ :

- " مقبولٌ ! "

فأدخلَتْ يدها في جيبِها وأخرجَتْ محفظتَها بسرعةٍ ، ثم وضعَتْها على مقود السيارة حتى تستطيع فتحها وإخراج المال منها أثناء القيادة _ لو كنْتُ معادياً للرجل لقلْتُ إن هذه قيادة رجالٍ ، وليسَتْ قيادة امرأة ، يفترض أنها تُحْسِنُ القيادة بيد واحدة _ ، ولما بدأتْ معاناتُها تزيد وهي تحاول إخراج النقود والقيادة معاً ، طلبَتْ مني أن أخرج أنا النقود من المحفظة ، ثم أعيدها إليها ، ففعلْتُ ، وأخرجْتُ ورقة من فئة المئة جنيه ، فنظرَتْ لي ، فقلْتُ :

- " إن قلَّتْ أسئلتُكِ عن خمس أسئلة ، فسأعيد لكِ الباقي ! "

- " يبدو أنني سأستمتع بحوارِنا هذا أكثر مما توقعْتُ "

لا أدري لماذا شعرْتُ بالسعادة عندما قالَتْ ذلك ... ربما لأنني لم يُنْظَرْ إليّ في هذه المهنة إلا على أنني أداة جنسٍ تستعمل ثم تطرح جانباً ، وتعليقها هذا _ على الرغم من عدم خلوه تماماً من البعد الجنسيّ _ إلا أنه كان يحوي شيئاً ما يزيد على ذلك ، وكنْتُ أنا أتوق لهذا الشيءِ .

وجاءني السؤال الأول :

- " اللكنة ؟ "

- " دعيني أحوّل هذا للعبة مسلية ؛ احرزي أنتِ ... وإن وصلْتِ للإجابة الصحيحة في أقل من خمس محاولاتٍ اعتبري السؤال مجانيًّا ! "

- " أوووه ، هذا مشوّق ! ... خمس محاولاتٍ كاملة ؟ هل سيكون الأمر بهذه الصعوبة ؟ "

هززْتُ رأسي موافقاً ، فقالَتْ :

- " إسكتلندا؟ .. لا ؟ .. حسناً ، أيرلندا؟ .. لا ؟ ....  ويلز ؟ ..."

- " حتى أسهل عليك فأنتِ في القارة الخاطئة ! وهذه ثلاث محاولاتٍ قد ضاعَتْ ! "

نظرَتْ إليّ في استمتاعٍ ، ثم قالَتْ :

- " أعتقد أنك قد ضيَّقْتَ على نفسك الخناقَ يا صغيري ! إن الدول الناطقة بالإنجليزية ليسَتْ بهذه الكثرة ! "

كان قلبي قد خفق خفقة مفاجئة عندما نادتْني بـ"صغيري" ، متلازمة (بيتر بان) هذه !  ولكنّي تماسكْتُ وقلْتُ لها :

- " أنا لا زلْتُ مطمئناً إلى أنكِ لن تقعي عليها ! "

- " حسناً ، بقيَتْ لي محاولتان ، وهما أستراليا ونيوزيلاندا .. "

- " إمعاناً في إكرامكِ ، فسأعتبر المحاولتَين محاولة واحدة ، وكلاهما خاطئٌ ! "

نظرَتْ إليّ في شكّ وكأنني فقَدْتُ مصداقيّتي عندها ، ثم قالتْ في نفس الشكّ :

- " أنت لسْتَ أمريكيًّا ! "

- " مستمرّ في كرمي : سأعتبر هذه محاولةً لاغيةً ، ونعم ، أنا لسْتُ أمريكيًّا "

جاءني ردُّها سريعاً  :

- " لم يبق إلا كندا ! "

- " لسْتُ كنديًّا . هل استنفدْتِ خياراتِكِ ؟ "

- " أتدري ماذا ؟ لو كنْتَ لا تلهو بي فبإمكانك أن تحتفظ بهذه المئة وعليها مئةً أخرى ، ولكني أعتقد أنك تعبث ! "

- " بإمكاني أن أصف لكِ جوهانسبرج ، كما أصف راحةَ كفي ! "

نظرَتْ لي في إعجابٍ وغيظٍ معاً ، ثم قالَتْ :

- " حقك ! خذِ المحفظة وأخرجْ منها مئةً أخرى ! "

- " بل سأكتفي بهذه . شكراً جزيلاً ! "

نظرَتْ لي وقد بقي الإعجابُ ورحل الغيظُ . ثم قالَتْ :

- " شكراً لك ، وإن جاز لي أن أسال _ سواءً بمقابل أو بدون مقابل _ ما الذي تصنعه في شمال القارة وأنت من جنوبِها ؟ "

لمْ أدْرِ سببَ رغبتي الجارفة في أن أصارِحَها بكلّ شيءٍ .. في البداية كنْتُ أطمع في مالِها ، أمّا الآن فقد رفضْتُ مئة جنيهٍ تعرضها هي عليّ ! ثمّ أنا على وشْكِ أن أطلعها على سرّي ، لماذا ؟ لأنني أعاني من متلازمة ( بيتر بان) ، ومن أعراضها الرغبة الجارفة في صنع ما يحلو لي ، فأجبْتُ بصدقٍ _ كما يحلو لي _ ، وقلْتُ :

- " كان الأمر يبدو رومانسيًّا من بُعْدٍ ! "

- " أتعني بالأمر .. الدعارة ؟ "

هززْتُ رأسي ، فأضافَتْ في حذرٍ :

- " ولكنْ لماذا السفر ؟ "

- " لأن أمي عضوٌ في مجلس النوّاب هناك ! "

جاءني صوتُ القهقهة ، ثم انقطع فجأة ، ونظرْتُ إليها وهي تجاهد لتمنع نفسَها من الاستمرار في الضحك ، ثم قالَتْ :

- " آسفة ! إن الأمر غريبٌ بعض الشيء ، ما هي جاذبية ترك حياة الرفاهية تلك ، والتعرض لما تتعرض له ؟ "

- " كما قلْتُ لكِ ؛ لقد بدا لي الأمر مختلفًا قبْل أن أقدمَ عليه ؛ نعم ، أنا أملك المالَ _ ولا زلْتُ أملك الكثيرَ من المال ، بمجرّد أن أهاتف أمي ، وأعترف بأنني هربْتُ منها ، وأخبرها بمكان هروبي ، وأتحمل ما ستفعله بي _ ، وكان لديّ عشيقة أيضاً ، ولكنّها كانتْ شديدة التهذيبِ ؛ تعرفين .. من النوع الذي يستأذن قبل أن يصنع أيَّ شيءٍ ... أعتقد أنني الآن ألومها بشكل شخصيّ على التسبب في انجذابي لتلك القصص التي جرّتني إلى ما أنا فيه ! "

- " قصص ؟ "

- " أتعرفين هذا المثل الذي تقوله البذيئات من النساء : عامل الأمير كأنه عاهر ، والعاهر كأنه أمير ! لقد كنْتُ " أميراً " وهؤلاء تجذبهم القصص التي تتحدث _ برومانسية غير واقعية بالطبع _ عن حياة العاهر وما فيها من " لذائذ " ! "

- " أنا أعرف هذه القصص أيضاً ؛ في الواقع إنني أكتبُ بعضَها ! "

نظرْتُ إليها في دهشة .. ثمّ بدأ عقلي يجمع الشتاتَ ؛ امرأة وقورة أكاديمية تدرس في الجامعة ، غير متزوجة ، تتقن الإنجليزية ، ثم دق جرسٌ في ذهني : تنتقي أصغرهم سنًّا ، وأنحفهم جسماً ، وأحمرَهم مؤخرةً !

واحمرّ خداي خجلاً ، ووجدْتني مدفوعاً دفعاً لأسئلَها ، فأجابتْ على سؤالي من قبل أن أساله :

- " نعم ، لقد رأيْتُها ، ولقد جذبَتْني إليك ؛ أعني حتى لو كانتْ لا تزال على لونِها الطبيعي فهي جذّابةٌ للغاية ، ولكنْ بالنظر إلى نوعية القصص التي أكتبُها فالشابّ الذي خرج لتوّه من امتحانٍ لم يجدْ فيه ورقةً فأجاب على مؤخرتِه وكانتْ إجاباتُه كلّها خاطئة فامتلأتْ مؤخرتُه بالعلامات الحمراء ... ماما ميا ! ... هذا هو تمثال أدونيس بالنسبة لي  ! "

حاولْتُ التغلّب على خجلي _الذي لا يزال مركّزاً على الرغم من غمسه في أشهر من العمل في الدعارة_ ، وقلْتُ:

- " إنه لم يكنْ امتحاناً هيّنًا ؛ أنا لم أجد شخصًا يستعمل الحزامَ في التصحيح من قبل ! "

- " لا تلمِ المصحِّحَةَ ، وَلُمِ المصحَّحَ له ؛ مستوى الطلابِ في هذه الأيام ! "

كانتْ هذه العبارة خاليةً من المجاز تماماً ، ولم تخطئ أذني حقيقتَها ، فقلْتُ :

- " كم عدد من ملأتِ أوراقه بالعلامات الحمراء ؟ "

- " نصف الدفعة ! أنت سريعٌ ! "

- " لطالما كنْتُ سريعاً ، في الواقع إن مستواي الأكاديمي  جيّدٌ للغاية ! "

- " لماذا لم تلتحق بالجامعة إذن ؟ "

- " واو !! "

- " ماذا ؟ هل أثرْتُ مواجعَ ؟"

- " واااو !!! "

- " ماذا ؟ "

- " كم ترَيْنَ لي من السنين ، حتى يكون قطار الجامعة قد فاتني ؟ " 

فطَنَتْ متأخرةً إلى ما صنعَتْه ، فقالَتْ :

- " مهلاً ؛ إن الإضاءة ضعيفة في هذه الطرقاتِ ، أنا لم أرَ بوضوحٍ ... ثم إنني لم أرَ هذين الخدّين " وضغطَتْ على خدّيّ بيدها ، ثم بدا أن السيارة تنحرف عن استقامتِها ، فأعادَتْ يدَها بسرعةٍ لتقود بيدَيها جميعاً ...

وساءني أنا أن تضيع المعاكسة فأكملْتُها لها :

- " لأنك كنْتِ مشغولةٍ بالخدين الآخرين ... على أية حالٍ فالخدود الأربعة كلّهنّ يشرْنَ إلى صغر سني ؛ كم ترين لي من السنين ؟ "

كانتْ لا تزال مذعورةً بسبب انحراف السيارة أثناء قيادتِها ، ولكنها أجابَتْ :

- " إحدى وعشرون سنة ؟ "

- " هل أنتِ جادّة الآن ؟ إن عيد ميلادي التاسع عشر بعد شهرين ! "

- " أنت لا زلْتَ في الثامنة عشرة ؟  "

- " نعم . "

- " حبيبي ! أنت لا يفترض بك أن تخرج إلى الطريق وحدك في هذا السن ! "

- " هلا كفَفْتِ عن مناداتي بـ ( حبيبي ) ، و( صغيري ) رجاءً ؟ "

- " لماذا ؟ "

- " لأنكِ تسكنين في أطراف المعمورة على الذي يظهر ، وما دمْنا لم نصل إلى ساحة المعركة بعد ، فلماذا تشعلين نارَها ؟ "

نظرَتْ إليّ ، ولأول مرة في هذه الأمسية تلتمع عينُها ببريقٍ شهوانيّ محضٍ كهرةٍ ظفرَتْ ببنت عرس ، وكلاهما يعلم أن الأمر انتهى ، ولكنّ الهرة من فرط لذتِها تطيل لحظة ما قبل الفتك بالفريسة لتستمع بها الاستمتاع الأقصى ، فنظرتُها آنذاك كنظرةِ أستاذة الجامعةِ هذه لي ؛ ...نعم ! لقد قامَ كلُّ شيءٍ ! ....ولمْ يفُتِ المشهدُ عيني الهرّة :

- " هل هذا لي؟ أم أن أرنباً تسلل إلى سروالِك؟ "

- " لا أعتقد أن للأرانب دخلاً في هذه الظاهرة ! "

- " أعتقد أن تبرئة ساحة الأرانب يستوجب علينا إزالة أي شبهةٍ لتورطهم في هذا الأمر ! "

- " هل اقتربْنا من منزلكِ ؟ "

- " اعتبرْنا وصلْنا ! "

ومع قولِها هذا حادَتْ بالسيارةِ إلى جانبِ الطريقِ ، وأوقفتِ السيارةَ فجأةً ، فغفرْتُ للحزام الذي ألهب مؤخرتي البارحة لأن ابن عمّه قد حال دون اصطدام رأسي بزجاج السيارة الأمامي ، ولم تعتذرْ السائقة عن ذلك التوقف الأرعن ، بل نزعَتْ حزامَها _ في المحاولة الخامسة _ إذ كانتْ المحاولاتُ الأربع الأولى من العجلة بحيث لم يطعْها الحزام وينسحب ، فلما انسحبَ ، نزلَتْ مهرعةً كأنْ قد مسّها طائفٌ من الشيطان ، وعلمْتُ ما يوشك أن يحلّ بي فنزعْتُ حزامي ، وانتظرْتُ أقلّ من ثانيةٍ استغرقها انتقالُها إلى بابي وفتحه ، ثم في لهفة طفلٍ يتناول المانجو قامَتْ بإخراجي عنوةً ، وغمري بالقبلاتِ ، ونزع ما عليّ من " ملابس " ، وجلسَتْ على غطاء محرك السيارة ، وأحنتْني عليه ليستقر حوضي في حجرها ويداي على غطاء المحرك _ الذي لا يزال دافئًا _ وقدماي مرفوعتان عن الأرض سنتيمتراتٍ ...

ولم تمهلْني حتى وضعَتْ يدها بين رجليّ ، وظلَّتْ تدرس ما تمسك به لثوانٍ قبل أن تقول :

- " أعتقد أن بوسعنا تبرئة ساحة الأرانب الآن ! "

- " بإمكان أي سيارةٍ تمر في هذا الطريق أن ترانا ! "

- " سيرَوْنَ ما يفترضون أنه أمّ تعاقب ابنَها الذي لم يستطع كبح جماح شقاوتِه فلم تستطع إرجاء عقابِه حتى يعودا للمنزل ؛ قد لا يكون هذا المنظر شائعاً في جنوب أفريقيا ، ولكنه مقبولٌ هنا ! أو على الأقل هذا ما أذكره في قصصي ! "

- " لنأملْ أن تكون قصَصُكِ واقعيّةً إذاً ! "

- " أعتقد أنني لو كنْتُ مكانَكَ لاهتمَمْتُ بما يوشك أن يقع لي ، وتجاهلْتُ ما يراه الناسُ ! "

وهوَتْ يدها لتصفع مؤخرتي ؛ كانتْ تلك لا تزال تذكر حوارَها مع الحزام ليلة البارحة فهي تشتكي من أقل اللمس ، ولم يكنْ ما تصنعه الأستاذة الجامعية يمتّ بصلة لأقل اللمس ، كان هذا عقاباً مؤلماً وممتعاً في الوقتِ نفسه ...

وفي النصفِ الأول من العقاب فشلَتْ كلّ محاولاتي لاستنتاج ما الذي أعاقب عليه بالضبط ! ولكني رأيتُ أنّ الاستنتاج الأقربَ للدقة هو أنني أعاقَب على عدم تبرئتي ساحةَ الأرانب عندما طلب مني ذلك ، وسؤالي عن اقترابِنا من المنزل حتى أبرئ ساحتَهم هناك ؛ هذا ذنبٌ بمعنى من المعاني ؛ التلكؤ في تنفيذ الأوامر !

أما النصف الثاني فلم يكنْ لديّ شكٌ في السبب الذي أوجبه ؛ سواءً كانتْ أرانبَ أم لمْ تكنْ أرانبَ فإن عليها أن تحتفظ بما في بطونِها ولا ترى في بنطال من تعاقبُني مكاناً مناسبًا لتفرغ فيه محتوياتِها ... هذا ذنبٌ لا شكّ في استحقاقي للعقوبة بسببه ! 

وعندما فرغتْ معاقِبَتي من عقابي ، أنهضَتْني حتى استويْتُ قائماً ثم قبّلتني حتى استوى المتسببُّ في النصف الثاني من عقابي قائماً ، فنظرَتْ إليه، ولمّا لمْ تتبيَّنْ تماماً حقيقة الأمر بسبب الظلام الدامس ، فقد مدَّتْ يدها للتأكد أنها رأتْ ما تعتقد أنها رأتْه ، وأخبرَتْها يدُها بالخبر اليقين ، فقالتْ وهي تمنع ابتسامتَها من الانتشار :

" هل سيتكرر هذا مرة أخرى ؟ أم أنك قادر على ضبط نفسك الآن ؟  " 

- " لا ! لن يتكرر ،  لقد تعلَّمْتُ درسي ! "

- " حسنًا ، هناك علبة مناديل في السيارة ، وهناك زجاجة ماءٍ في الحقيبة الخلفية ... "

ثم أشارَتْ إلى رِجْلَيْ بنطالِها ، وجانباً من غطاء المحرك ، فقلْتُ :

- " واو ؛ لقد شعرْتُ أنه كان مطراً غزيراً ، ولكني لم أدركْ أنه غطى كل هذه المساحة "

نظرَتْ إليّ ، وكأن المزحة لم تعجبْها ، وقالَتْ :

- " هل تريدني أن أزيد في عقابِكَ ، يا صغيري ؟! "

فقلْتُ في سرعةٍ :

- " لا ! أنا آسف ، سآتي بالمنديل والماء "

وعندما رجعْتُ إليها حاولْتُ تنظيفَ الفوضى التي تسبَّبْتُ فيها ، وكان نجاحي جزئيًّا فقد ظلّ البنطالُ يحكي قصّة صادقة عن تعرّض بناطيل المعاقِباتِ للأنواء الموسمية الناشئة عن ارتفاع درجة حرارة مؤخرات المعاقَبِينَ في حجرهنّ ! والجغرافيا لا تكذب !

عندما رضيَتْ معاقبتي عن الجهد الذي بذلْتُه في تنظيف بنطالِها ، طلبَتْ مني أن أوْلِي الاهتمامَ الآن إلى غطاء المحرّك ، وبدا لي هذا الجزء أسهلَ في التنظيف ، فانغمسْتُ فيه ، ولم أكنْ أدري حينَها أنه على الرغم من رقيّ معاقبتي ووقارِها ،وعلى الرغم من يسارِها و كرمِها ، على الرغم من كل ذلك فقد سبقَتْني إلى السيارة وجلسَتْ فيها ، وأدارَتْ محرّكها ، وأنا لا زلْتُ منشغلاً بالتنظيف ، ولم أفهم _ أو لم أشأ أن أفهم _ ما جرى حتى كانتْ السيارة قد بدأت في الحركة وانصرفَتْ مبتعدةً عني ، ولا أدري متى أخذَتْ ملابسي ، أو للدقة : ملابس العمل ، وأودعَتْها في السيارة ، ولكنّ النتيجة النهائية أنني وقفْتُ عارياً في منتصف طريقٍ مهجورٍ ، وقد سرِقَتْ ملابسي _ وفيها المئة جنيه التي رفضْتُ مضاعفتَها _ ...ولم أتلقّ منها مقابلاً على " خدماتي " وإن كنْتُ لا أنكر أنني استمتعْتُ بتقديم تلك الخدماتِ !

كانَتْ _متفضلةً_ قد تركَتْ معي علبةَ المناديل ، وزجاجةَ ماءٍ تحوي لتراً من الماء إلا قليلاً ؛ استهلك هذا القليلَ غسْلُ بنطالِ تلك اللعينة وغطاءِ محرك سيارتِها اللعين ... قبل أن تفر بالبنطال وبالمحرك هربًا مني ومن حقي في مالِها ...

هؤلاء النساء لا أمانَ لهنّ ؛ على الأقلّ عندما أعود للزعيمة فلن تلْهبَ مؤخرتي بالحزام ، فهذه المرة قد تعلَّمْتُ الدرس ، وقبضْتُ مقدّماً ؛ وباستثناء المئة جنيه التي سرقَتْها مني عندما سرقَتْ ملابسي فإن المحفظة كلّها كنْتُ قد خطفْتُها من جيبِ بنطالِها عندما كانتْ منشغلةً بعقابي على ما فعلْتُه ببنطالِها ، فيما بعد استغللْتُ الظلمة الدامسة فحملْتُ المحفظة أمام عيني صاحبتِها المحجوبتين بالظلام حتى ذهبْتُ لعلبة المناديل فأودعْتُها فيها ...

والآن أخرجها من علبة المناديل وأحصي ما فيها من مالٍ ؛ ثلاثة آلافٍ ويزيد ... لا بأس !

كلّ ما عليّ أن أفعلَه الآن أن أنتظر وآمل أن تمرّ عربةُ ما فتقلَّني إلى مكانٍ ما أستطيع فيه شراء ملابس والعودة للزعيمة ؛ وأن يحدث هذا قبل أن تفطن تلك الأستاذة الجامعية الوغدة لما حدث ، فتعودَ بسيارتِها إليّ !

لو سارتْ الأمور على ما يرام _ وحتى بعد أن تحصل الزعيمة على حقِّها _ سيظل معي ما يزيد على عشرات الإكراميّات التي تمنحها تلك الكهلة في سيارتِها الشبابية ذات الدفع الرباعي التي تكالب عليها هؤلاء النوكى !

 فقط لنرجُ أن تسير الأمورُ على ما يرام !


_________________________


ليست هناك تعليقات: