الاثنين، 26 ديسمبر 2016

قصة : طبيعة صامتة ، ومتكلِّم ! ( م / ف )





قصة : طبيعة صامتة ، ومتكلِّم ! ( م / ف  ) 

- بضعة تنويهاتٍ :


تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف ، فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد  نوهنا به .


تنويه 2 : تلمح القصة إلى علاقة ذات طابع جنسي  ذكرٍ وأنثى ، فإن كان هذا يسوؤك / يسوءك، فقد نوهنا به . 


تنويه 3 : مما تلمح له تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ


فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .


تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع هو ولا أجزاؤه ،  ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه ، وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة ، وأيُّ حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف ، وليس حثاً على الحقيقة ، ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يُسْألُ المؤلفُ عن ذلك .

فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .


- القصة :



ينفتح المشهد على زاوية غير مألوفة لكرسي زجاجي غريب المنظر ؛ ذلك أنّ زجاجيَّتَه تجعله شفافًا كالبلور فلا يحول شيءٌ منه بين الناظر وبين الجالسِ عليه ، أما الزاوية غير المألوفة فهي توازي ما كان الناظر لِيرَاه لو انبطح مستلقيًا على ظهره قريبًا من الكرسي ثم رفع نظرَه إليه .. ولا يخفى ما في شفافية الكرسيّ وما في هذه الزاوية من نذيرٍ بفحشٍ ، إن صحَّ التعبيرُ ..

ولِمَ لا يصحُّ التعبيرُ ؟ .. وأوَّلُ جالسٍ _ أو جالسةٍ للدقة _ تدخل المشهد الضيق ، فلا نرى منها سوى نصفِها السفليّ وحذائها الذي يغطي نصفَ ساقِها ، ثم تريح مقعدَتَها المثقلةَ على الكرسي الغريب غير عابئةٍ بما حولَها .. وما كان ليحجبَه كرسيٌّ آخر لم يحجبْه كرسيُّنا هذا ؛ الردفان اللذان يغطيهما قماش الجينز الغليظ يستقران على قاعدة الكرسيّ، فينضغطان تحت وزنِ الجذع ، فيتفلطحان بعض الشيء لتزايد مساحة السطح الملاصق للكرسيّ منهما ؛ أو هكذا يقول الدرس الهندسيّ الفراغيّ ! 

ويستقرّ المشهدُ على هذا الوضع فترةً من الزمنِ مع قليلٍ من التقلقل الذي لا يكاد يُلْحظُ ..

ثم تأتي لحظة الانصراف _ ولا ندري ماهية هذا الانصراف ، فقد يكون هذا مطعمًا مثلًا ، وقد فرغَتْ هذه السيدةُ من طعامِها ، أو غير ذلك ،  فالزاوية لا تسمح لنا برؤية الكثيرِ _ فيغادر الردفان موقعيَّتَهما مستعيدَين ما كانا فقداه مؤقتًا من تكوُّرٍ فاتنٍ ، ويُسْهِمان بدورِهما في انتصابِ الجذعِ ، كما يقرُّ ذلك علماءُ التشريحِ .. قبل أن يغادرا المشهد بالكليةِ .. ليبقى الكرسيُّ الزجاجيُّ فارغًا حينًا من الزمن..

ثم بدون مقدماتٍ يدخل إلى المشهد على عجلٍ قدَمان أكثرُهما عارٍ ، وأقلُّهما مغطًى بما تَجْعَلُه الزاويةُ التي نشاهد منها في حكم المُنْعَدِمِ هو الآخرُ ... ثم تجلس الحسناء على الكرسي ؛ ولا بد أنها حسناءُ .. إذ لا يُظْهِرُ كلَّ هذا إلا مُعْجَبٌ بحُسْنِه !

ويحاط جانبا الكرسيّ بجانبي تنورةٍ قصيرةٍ مربعة الزخرفة ؛ كل مربّعٍ قد حوى لونًا غير لونِ مجاورِيه ، ولكنه يتكرر بنمطٍ ثابتٍ .. وتتيح لنا هذه الزاويةُ المبَارَكةُ للرؤيةِ النظرَ إلى ما بين جانبَي التنورة مما لاصق الكرسيَّ النمّام _ لأنه ينمّ عما كان يجب عليه أن يسترَه ! _ فنرى .. لا شيءَ !
وليس المقصودُ أنّ ما نراه عدمٌ أو هواءٌ ، ولكنّ المقصودَ أنّ التنورةَ جنسٌ من الملابسِ ، يغلبُ على الظنّ انكشافُ جنسٍ آخرَ من الملابس عند زوالِها _ أو عند حدوثِ ما هو في حكم الزوال ، كما هو الحال في مثالِنا هذا _  وبهذا المعنى ، فإننا لا نرى شيئًا .. بل نقابلُ الغاياتِ دونَ المرورِ بالوسائل ! فيتوجَّبُ علينا شكرُ الكرسيِّ والزاويةِ كما شكرناهما في المرة الأولى ، ولكننا نزيدُ في هذه المرةِ شكرَ الحسناء التي أسهمَتْ معهما في الوصولِ إلى هذه الدرجة الرفيعة في عالم الكشف والمشاهدة - ولا أعتقد أنّ السادة المتصوفة كانوا يعنُون هذا المعنى بهذا المصطلحِ ؛ ولكنْ كلٌّ يَبْكي على ليلاه .

أما الردفان محلّ التعرّي الكاملِ .. فهما دونَ سابقَيهما في الحجم وفوقَهما في دقة التكوينِ وتكامل الكرويّةِ .. ثم هما لا يستران ما بينهما ألبتة .. مع تفلطحهما بحكم الجلوسِ .. فنرى بجلاءٍ ما تُدَقُّ الأعناقُ دونَ رؤيتِه .. ويتوجّبُ علينا إضافةُ دقةِ تكوينِ الردفينِ لجُمْلةِ المشكورِ في الوصول إلى هذه الرتبة الساميةِ التي اختص بها أهل الباطن دونَ المشتغلين بعلوم الظاهر ...

أما الذي هو بين الردفين مستقرٌّ استقرارَ الملك في قصرِه .. فيجلُّ عن الوصفِ .. ولا يُدْرَكُ كنْهُهُ بالنقلِ ، وإنما هو خبرةٌ ذاتيةٌ يخوضها المرءُ فيدركَها ، ومن لمْ يخُضْها لم يُدْرِكها بتعلمٍ!
وحسبُه في الشرف أنَّ حاجبَيه _ أو ما كان يُفْتَرَضُ أنْ يكونا حاجبيه لولا صِغَرُهُما _ مِنَ الحُسْنِ والكمال بحيث يُطلبَان لذاتهما.. ومَنْ يُفْدَى بِمُفَدًّى فهو عزيزٌ !

أما القلقلة بل الاحتكاك غير اللائق الذي تخوض فيه الحسناءُ خوضَ الفلاسفة في الجدلِ فحَدِّثْ ولا حرج ؛ لولا بقيةٌ من هيبةِ المكان العام _ ونحنُ نتوقّع أنّنا في مكانٍ عامٍ ، إذ لا سبيل إلى رؤية تفاصيل المكان _ لقام الكرسيّ الزجاجيّ مقام ما لا يصحُّ تسميتُه .. ويَصْعُبُ علينا _ مهما حاولْنا إبقاءَ بقيّةٍ من خصوصية صاحبتِنا _ أقول : يَصْعُبُ علينا ألا نرى أثرَ الاحتكاك الدءوب بالسطح الزجاجي الأملس - أثرُه في المحجوبِ بالردفينِ ؛ احمرارًا وتضخمًا وسيلانَ لعابٍ !

ويتوقفُ الاحتكاك والقلقلة فجأةً .. فنتساءل _ بموضوعية بحتةٍ _ عن علة التوقف .. ثم تقوم الحكّاكةُ عن الكرسيّ بالكليةِ.. على عجلٍ كأنها تذكرَتْ شيئًا فهي تُهْرَعُ إليه ، ونخطف نظرةً أو نظرتَينِ إلى المشهد الشريفِ قبل أن ينقضي سريعًا بارتحال صاحبتِه عن زاويتِنا الضيقة ... فيزيد تساؤلنا الموضوعيّ عن سببِ هذا كلِّه ..

ونقضي فترةً تقترب من ربع الساعةِ في انتظارِ قادمٍ جديدٍ يُذْهِبُ بعْضَ تشوقنا العِلْمِيِّ القحّ إلى المزيدِ .. ولكنّ قدمَينِ شبه عاريَيْنِ شبه مألوفَين يعاودانِ الدخولَ إلى المنظور الضيق .. ويبدو في اضطرابِ حركتِهما أثناء مشيِهما ما يؤذنُ بخبرٍ مهم سنُطْلَعُ عليه ...

ويعود الردفان مكتملا التكوين والتكور إلى الجلوس على كرسيِّنا .. وتعود التنورة إلى الانسياب على جانبي الكرسي، وقد أفْضَتْ بسرِّ ما تحتَها للكرسيّ ليَكْتمَه ، ولكنّ الكرسيّ _كما علِمْنا_ لا يُؤتَمنُ على سرٍّ ..

ولو جاز لنا التقاط صورةٍ لما نراه الآن والتقاط صورةٍ لما كان عليه المنظرُ قبل دقائق ، ومقارنة الصورتَين لخرجْنا باختلافَين جوهريين .. أما أحدهما فقريبٌ من الحدس، وأما الآخر فلا سبيلَ إلى معرفته تخمينًا حتى نُخْبَرَ به ..

فأما القريبُ من الحدسِ فاستتارُ ما بين الردفَين مما كان مكشوفًا قبل قليلٍ ؛ سَتَرَه _ ولم يستُر ما عداه_ قماشٌ رقيقٌ هفهافٌ أبيضُ .. سَلَكَ سبيلًا ضيقةً بين الحاجِبَينِ ليسترَ المحجوبَ ويدَعَ الحاجبَينِ على عُرْيانيّتِهما . ولو كان هذا القماش المقتَصِدُ في التغطية أوَّلَ ما قابَلَنا مِنْ هذه الحسناءَ لقَنَعْنا به أيَّ قناعةٍ ، ولكنْ إذا جاءَ النفيسُ بعد الأنفسِ حطَّ ذلك منه مع نفاستِه ..

 قلْنا : وهذا مما يسهلُ تخمينُه ؛ أنَّ صاحبتَنا انصرفَتْ لتغطّي هذا ثم عادَتْ .. ولقائلٍ أن يقولَ : إنها كانَتْ منغمسةً في فعْلٍ يناسِبُ الكَشْفَ لا التغطيةَ .. فَلِمَ تقطعُ فعلَها ذاك قبلَ تمامِه لتغطيَ ما حقُّه أنْ يُكْشَفَ حتى يكونَ انكشافُه عونًا على بلوغ الغاية التي كانَتْ بصددِ بلوغِها ؟

ونردُّ على هذا السائلِ فنقول : إنّ الإنسانَ قد يفعلُ الشيءَ مختاراً وقد يفعله جبرًا .. ولعلها لمْ تَقْطَعْ فعلَها ، وإنما قوطِعَتْ في أثنائه ، ثمَّ حَمَلَها مقاطِعُها على التوقفِ عن إتمام فعلِها ، ثمَّ لمْ يكْتفِ بذلك حتى ذهب بها إلى مكانٍ خاصٍّ _ بِفَرْضِ أنَّ هذا مكانٌ عامٌّ ، فيكون الكرسيّ في مطعمٍ مثلًا ، وهو ذهب بها إلى دورة المياه في ذلك المطعم _ وحملَها على ستْرِ ما كان منكشفًا زيادةً في الحيلولة بينهَا وبين ما قاطعَها وهي تفعلُه ...

وللسائلِ أنْ يسْتمِرَّ في جدلِه فيقولَ : إنّ هذا تأويلٌ بعيدٌ ، إذ يفترِضُ أنّ هناك صاحبًا لها ، ثم أنّه علِم بما كانتْ تفعلُه _ ومن أين له أنْ يعلمَ ؟_ ، ثم أنه حملَها على التوقف فتوقفَتْ _ وماذا عليها لو خالفَتْه ؟_ ، ونحن نعلم ما يكون عليه المرء _ أو المرأة في هذا المثال _ في مِثْلِ هذا الموقفِ مِنْ حالٍ عجيبةٍ تأمُرُ ولا تُؤمَر ، ثم أنه ذهب بها إلى مكانٍ خاصٍّ _ وهذا كله احتمالٌ لا دليلَ عليه _ ، ثم أنه أمرَها بسَتْرِ ما كان منكشفًا بما يعني أنه كان يعلمُ بانكشافِه ، أو أنه _ وهذا أدهى _ استخبرَها فأخبَرَتْه ، أو أنه _ وهذا أبعد الثلاثة عن المألوف_ رفعَ تنورتَها فلمْ يجِدْ شيئًا ، فأمرَها بارتداءِ ما يسترُها .. ثم أنها أجابَتْه إلى هذه أيضًا ... ثم إننا لو افترَضْنا ذلك كلَّه ، لبَقِيَ غيابُها لهذه الفترة الطويلةِ غيرَ مُبَرَّرٍ ، فقد كان حقُّ هذا كلِّه أن ينقضي في دقيقةٍ أو دقيقتين ، فأيُّ شيءٍ أخَّرَها ؟

ونردّ على هذا السائلِ بحجةٍ واحدةٍ تُذْهِبُ كلَّ ما ذهبَ إليه .. وهو قولُنا : حمراء !
وقد يعتقد السائل أنّ هذه سبةٌ مما يتسابُّ به العوامُ ، فيغضبَ .. ولكننا لا نلبث أن نفسِّرَ له قولَنا ، فيذهبَ غضبُه ، ويوافقَنا على صحة ما ذهَبْنا إليه ..
وهذا هو الفرق الجوهري الثاني بين الصورتين : حمراء !
فالردفان الدقيقان مكتملا التكوير ، قد غايَرَ لونُهما في الصورةِ الثانيةِ لونَهما في الصورة الأولى .. كانا في الأولى في لون ما فوقَهما وما تحتَهما ، فصارا في الثانية في لونِ ما بينهما .. ولهذا سببٌ لا يخفى على الفَطِنِ ، ونحنُ نبيِّنُه فيما يلي ..

وهو أنَّ العجمَ _ لفسادِ بيئاتِهم ، ولقلة المروءة فيهم _ يؤدبون صبيانَهم بل وبناتِهم ، بإيقاع آلة الضربِ بِرِدْفَي المضروب ، نقول: بل لا يتعفف بعضُهم منْ أنْ يجْعَلَ آلةَ الضرب على هذا الموضعِ يدَه ! ولولا أننا رأيْنا هذا بأعينِنا لما صدَّقْناه ! بل لقد أخبرَني الثقةُ أنّ بعضَهم ينزِع ما على المضروب من ثيابٍ في هذا المكان ، فيباشرَ جلدُ يدِه جلدَ استِ المضروبِ ، وهو يَعُدُّ هذا تأديبًا ، فاعْجَبْ !
قلْنا : وقد شاع هذا فيهم ، حتى صارَ بحكم العادةِ عندَهم ، يرَوْنَه ولا يُنْكِرُونَه .. قلْنا : ولما كان دأَبُ فريقٍ من أهل هذه الديار الشريفة تقليدَ الأعاجمِ في كلٍّ سخيفٍ من فعلهم مُسْتَرْذَلٍ .. فإننا لا نسْتَبْعِدُ أنهم أخذوا هذه _ في جملة ما أخذوه _ عن الأعاجم ، فهم يؤدبون غلمانَهم _ ونساءَهم كما في هذا المثال_ بهذه الهيئة المُسْتَبْشَعَةِ . 

ولولا أننا نعلمُ _ بكثرة الاطلاع ، طلبًا للعلم فحسبُ_ هذا الأمرَ ، لاحتَرْنا في بيانِ ما حدثَ ، ولكانَ في حجةِ ذلك السائلُ ما يقطعُنا عن الردِّ عليه ، فهذا من فضلِ العلمِ على أهله ، فَتَنَبَّهْ !

فنحْنُ نعودُ للجاج هذا السائلِ فنردَّ على حججه واحدةً واحدةً ، فأما قولُه إننا افتَرَضْنا وجودَ صاحبٍ لها . فنحن نردّ عليه : بشيوع هذا بين أبناء هذا الزمانِ وغلَبَتِه فيهم ، ونزيد على ذلك ما كانَتْ هذه الحسناءُ بالذات ترتديه ، فهي لا ريبَ ذات خدنٍ ، ولا يبعُدُ أنْ يكون رافقَها في هذا اليومِ .. والاعتراض بأنه ما كان يرضى أنْ تخرجَ مرتديةً مثلَ هذا - بعيدٌ .. فإنه يسرّه أن يرى الأعْيُنَ تمتد إليها ثم لا تطولُ ما فوقَ ذلك ، وهو يطولُ ما فوقَ ذلك . وليس في الرؤية _على مذهبِ هؤلاء_ كبيرُ شيءٍ ، كما قالوا :
فما لك منها غَيْرَ أنك ناكحٌ  |||  بعينيكَ عينَيْها فهل ذاك نافع؟!
فنكاح الأعينِ عند هؤلاء لا تدخله الغيرةُ _ تقليدًا لفعل الأعاجم في هذه أيضًا ، كما أسلَفْنا _ ..

وأما قوله : ومن أين له أن يعلم ؟ ، فالرد على هذا سهلٌ يبيِّنُه لنا علماء وظائف الأعضاء .. فإنّ الأعصابَ التي تعملُ بلا إرادةٍ من صاحبِها _ مِنْ مثلِ ما يُفْرِزُ اللعابَ بمجرد أنْ يشمَّ المرءُ الطعامَ الطيبَ _ تؤثر في كثيرٍ من جسم الإنسان عند مباشرتِه الجماعَ أو ما هو في حكم الجماعِ .. فتُنْتِجَ توسعًا في العروق فيتورد الخدان ويدفأ الجسم.. وهي تُبْطِئ التنفس .. وقد يثقل الجفنان ، فتغمض العينان .. وغير ذلك مما لا يخفى على الأريب .. فإذا رأى منها ذلك ، مع دلالة التقلقل .. ومع الانشغالِ عن كلامِه بما هي فيه .. أدرك ما وراءَ ذلك بلا عناءٍ ..

وأما قولُه : وما عليها ألا تَفْعَلُ .. فهذا مما يسهل الردُّ عليه، لأنها تقبلُ منه العقوبةَ الموجِعةَ فمِنْ باب أولى أنْ تأتمرَ بأمرِه .. فليس في هذا ما يُسْتَغْرَبُ ..

وأما استغرابُه مِنْ أنْ تُطْلِعَه على ما ترتديه .. فنحن نسأله: فتاةٌ تُطْلِع العالمِينَ على رجلَيها إلا شبرًا ، بأيِّ شيءٍ تخصُّ صاحبَها إنْ لمْ تخصَّه بخَبَرِ ما تحتَ الشِّبْرِ ؟!
بل نقيض ذلك هو ما يحمل على الاستغراب ..

وأمّا قولُه : فأيُّ شيءٍ أخَّرَها ؟ .. فالذي ذكرْنا .. انشغلَتْ باستقبالِ يد صاحبِها بردفيها ؛ عقوبةً ، بزَعْمِهم..

رَجَع الكلامُ ...

وننظرُ إلى حال صاحبتِنا الجديد فنجد القلقة والحك قد عُدِما واسْتُبْدِلَ بهما تقعُّرُ الظهر حتى يشتدَّ التماسُّ بين الردفَين ومقعد الكرسيّ - ولا شكَّ أنّ مقعدَ الكرسيّ باردٌ يخفف بعضَ الحرارة عنْ مقعدة القاعدة على المقعد!
وبين الحك طلبًا للذة ، وزيادة المماسّة طلبًا لتخفيف الألم تشابهٌ ما ، ففي كلتا الحالتَين يقدِّم الكرسيّ الزجاجيّ خدمةً للجالسة عليه ؛ متعةً ، أو تخفيفَ ألمٍ ..

ولكنّ النظرَ المتفحصَ لا يتوقفُ عند الردفَينِ المكشوفَين ، بل يتعداهما إلى المستورِ بينهما ، فيجده متوثبًا من تحْتِ السترِ كأنَّ به حاجةً متوقدةً إلى شخصٍ أو شيءٍ ، ولولا القماشُ يمنعه لصرَّحَ بها لا يُكَنِّي .. ولكنّ القماش قد كَعَمَه ، فحجب صوتَه عنْ أنْ يُسْمَعَ .. فيحتالُ الذي هو مستقرٌّ بين الردفَينِ على القماشِ فيُسَرِّبَ من خلالِ ثنايا القماشِ رسالةً يعيها من يعيها ، على هيئة بللٍ لزجٍ لا حيلة للقماش الأبيضِ في سترِه ، وعلى هيئة عبيرٍ لو دنَتِ الأنفُ قريبًا منه ، لشَمَّتْ منه أطيبَ ريحٍ ..

قلْنا :  ولا شكَّ أنّ صاحبَ الفتاةِ يعلمُ رغبةَ صاحبتِه المشتدة ،  فهو قد باشر الردفَينِ العاريين قبل دقائق بالعقوبة الموجعة ، فلم يكُنْ يعجِزُه أن يثني عنقَه قليلًا ، فيطلع _ بلا حجابٍ _ على ما بين الردفَينِ ويرى حالًا لا يصحُّ معها صَبْرٌ ... فصاحب الفتاة _لا ريب _عازمٌ على إتمام العملية التي قاطعَها قبل قليلٍ بمجرد أنْ يضمَّه والفتاةَ مكانٌ خالٍ ..

ويَبْعُدُ أنْ يكون ذلك المكان الخالي الذي سيضم الفتى وفتاتَه مُنْشَغِلَينِ بما لا يخفى على أحدٍ  . نقولُ : يبْعدُ أنْ يكون محتويًا على أثاثٍ زجاجيٍّ شفافٍ ، وعلى فرصةٍ للاطلاعِ _ من زوايا ملائمةٍ _ كما هو الحالُ الآن ..

ولذا فيجب على الحاذقِ الفطِنِ أنْ يَنْصَرِفَ بكليّتِه إلى المُتاح الآن ؛ وليسَ المتاحُ الآنَ قليلًا ..
ويجب عليه ألا يُذْهِبَ لذة اللحظة بتصور ما هو خيرٌ منها مما لا سبيلَ إليه للاطلاع عليه .. فإنّ القناعةَ كنزٌ لا يَفْنى ، على ما قرّرَ الحكماء الأوَلُ .. فاعَلَمْ ذلك !