الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

قصة : منقذة البشرية وما يوشك أن يحدث لها ! ( ف / ف)

قصة : منقذة البشرية وما يوشك أن يحدث لها  !  ( ف / ف)

- بضعة تنويهاتٍ :

تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف ، فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد  نوهنا به .

تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين أنثيين ، فإن كان هذا يسوؤك / يسوءك، فقد نوهنا به . 

تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي _ وإنْ تلميحاً لا تصريحًا _ ما يقترب مما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ
فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .

تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه ،  ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه ، وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة ، وأيُّ حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف ، وليس حثاً على الحقيقة ، ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يُسْألُ المؤلفُ عن ذلك .
فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .

- القصّة : 



1- مَن أنا ؟
_________________

مرحبًا يا رفاق .. هذه أنا .. (دعد) .. أعرِف ؛ إنه اسمٌ غريبٌ .. ولكنه أحد الأسماء التي قال عنها ابن رشيق القيرواني : ( وللشعراء أسماءٌ تَخِفُّ على ألسنتهم وتحلو أفواهَهم، فهم كثيراً ما يأتون بها زوراً نحو : ليلى، وهند، وسلمى، ودعد، ولبنى، وعفراء، وأروى، وريا، وفاطمة، ومية، وعلوة، وعائشة، والرباب، وجُمْل، وزينب، ونُعْم، وأشباههن. ) ... فاسمي _ وفقًا للقيروانيّ _ مما يخف على ألسنة الشعراء ويحلو بأفواههم .. أي أنه اسمٌ شاعريٌّ ..حرفيًّا ... ولكنّ صديقاتي في المدرسة .. ثمّ في الجامعة فيما بعد .. لم يشاركْنَ القيروانيَّ هذا الرأيَ !

أعتقد أنه يُفترضُ بي بعدَ ذلك أنْ أصفَ لكم جسمي .. ولكنّي لا أشعر بالارتياح لهذا .. مهلًا ، ماذا ؟ ... آه ، السنُّ أوّلاً .. حسنًا هذه هيّنة : إنّ عمري يُتَحصَّلُ عليه بطرح سنة تفكك الاتحاد السوفيتي من سنة إلغاء الحزب الوطني الديمقراطي المصري ... نعم ، إنني مولعةٌ بالسياسة .. ماذا ؟ .. لا تدرون متى تفكك الاتحاد السوفيتي ؟! هل هذه مزحة ؟! .. هذا أشهر حدثٍ في النصف الثاني من القرن العشرين !! .. على أيّة حالٍ ، فلأخبرْكم مباشرةً :  أنا في العشرين من عمري .. أنتم تدرون على الأقل معنى هذا الرقم. أليس كذلك؟ عشرةٌ وعشرةٌ .. أو خمسة وخمسة وخمسة وخمسة ؟ .. هذا مفهومٌ ؟ .. حسنًا .. ماذا الآن ؟ .. آه ، الجسم! ..أتدرون ماذا ؟.. دعونا نتفقْ على ألا نتفقَ حول هذه الجزئيّة .. أنا لا أرى لها هذه الأهمية القصوى التي يراها لها الآخرون .. لنقلْ إنني أملك نفسَ تقاسيم الجسم التي تملكها كليوباترا ، أو ناعومي  ، أو ليلى ، أو أيّة امرأةٍ أخرى شاع في التاريخ كلّه أنها فاتنة ولكنّ أحدًا لا يملك وصفاً دقيقاً لجسدِها .. نعم ، هذا تصريحٌ بأنني حسناءُ فائقةُ الحسنِ . ولكني لا أريد أن أدخل في تفاصيلَ .. تخيَّلُوا أنتم ما يناسبُكم ..

ماذا الآن ؟ .. بالطبع ، آسفة ... السؤال البدهيّ : لماذا هذه المقدمة ، ولماذا تعرفيننا بنفسكِ ؟ .. والإجابةُ في الواقعِ ليسَتْ بهذه البساطة .. ولكنْ دعني أغصْ غوصًا في صلْبِ الموضوع : هل سمعْتُم عن الأبطال الخارقين ؟ .. هذا المصطلح المبتذلُ الذي صار أحد الأقسام المعتبرة في صناعة السينما .. بل حتى في الروايات المعاصرة ؟ .. أنا أيضاً لم أكنْ أميلُ إلى هذا النوعِ من الأفلام ولا الرواياتِ ... وهذه من سماتِ الدنيا العجيبة التي نحيا فيها .. هناك مراهقون يقضون اليومَ كلَّه في رسم وكتابة وقراءة ومشاهدة كل ما يتعلق بالأبطال الخارقين.. وأنا التي لا تهتم كبيرَ اهتمامٍ بهم " أصْطَفَى " _ إنْ صحّ التعبيرُ _  لأكونَ في قلبِ الأحداثِ التي جرَتْ يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر يوليو الماضي .

بالطبع أنتم تتساءلون : ما الذي جرى في الحادي والعشرين من يوليو الماضي  ؟ .. ومِنْ أين لكم أن تعلموا بما جرى في الحادي والعشرين من يوليو الماضي ! .. لقد بذلَتْ كثيرٌ من " المؤسسات الكونية " جهداً فائقًا لتمحو من الوعي الجمعي العالمي أية ذكرى ولو خاطفة عن كلِّ حَدَثٍ ولو هيّنٍ مما جرى في يوم الخميسِ ذلك .. هذا عملٌ مرعبٌ عندما تتصوّرُ أن أخباراً تصدَّرَتْ الصفحاتِ الأولى من كل الجرائد وغطَّتِ نشراتِ الأخبار في قنواتِ الدنيا .. قد زالَتْ كلُّ الذكرياتِ عنها من أدمغة جميع البشرِ كأنْ لم تكنْ ! .. لا تصدقونني ؟ .. سأثبتُ لكم ببساطة : حاولْ أن تتذكرَ شيئًا مما حدث في ذلك اليوم ! ... لقد مضى عليه شهورٌ ؟ .. حسناً ، حاولْ أن تبحثَ في أيّ مكانٍ تصله يدُك عن جريدة ورقية مطبوعة في يومي الخميس أو الجمعة الواقعين في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من شهر يوليو الماضي .. دعك من الإنترنت ، هذا سهْلٌ التحريفُ والتلاعبُ به .. ولكنْ ورقيًّا : لن تجدَ شيئًا .. هل بدأ هذا في شدِّ انتباهك ؟ ..  السؤال التالي بالطبع : كيف نجوْتِ أنتِ من عملية إزالة كل الذكرياتِ تلك ؟

هذا يستدعي سرْدَ القصة من بدايتِها :


******************






2- القصةُ مِنْ بدايتِها
___________________

هذه أنا جالسةُ إلى مكتبي .. أقضي يوم العطلة في القراءة ، كالمعتاد .. الساعة الآن الثامنة صباحاً من يوم الخميس الموافق الحادي والعشرين من يوليو من السنة السادسة عشر بعد الألف الثانية ميلاديًا .. ووالداي وشقيقاي نوّمٌ .. من الذي يستيقظ في الثامنة من يوم الخميس ؟! .. الكتابُ الذي ترونني منهمكةً في قراءتِه كما يبدو من عنوانه هو .. ماذا ؟ .. أنتمْ لم تنتبهوا إلى وجود كتابٍ ؟ .. آآه ، تلك الدعابة الجنسية البذيئة .. بالطبع ، أنتم لم تنتبهوا إلى الكتابِ .. لا دي دا ، لا دي دا ... على أية حالٍ ، هؤلاء الذي لمْ تطغَ هرموناتُهم على عقولِهم ، وبقيتْ فيهم ملكةُ التفكيرِ ، أوَّلُ ما سيشدّ انتباهَهم هو عنوانُ الكتابِ : ( الزمن . طريقٌ ذو اتجاهين ؟ ) .. كانَ العرضُ العلميّ لهذا الموضوعِ المعقّدِ شيّقًا للغاية .. حتى إنني اضطرَرْتُ للتوقف عن القراءة وإغلاقِ الكتابِ والذهابِ للمطبخ لإعدادِ كوب شايٍ ، بينما الأفكارُ التي قرأتُها للتوّ يتردد صداها في ذهني الذي وصل إلى اليوفوريا العقليّة الساميَة .. بإزاء اليوفوريا المادية السافلة التي يشعر بها " البعضُ " .. إحم إحم ... ممَّنْ ينشغل عن الكتب بمَن يقرأها .

المهمّ .. ذهبْتُ لإعدادِ الشاي ، سمعْتُ صوتًا غريباً من غرفة المعيشة ، ذهبْتُ لاستقصائه ، لم أجدْ شيئًا يُسْتَقْصَى .. أنتم تعرفون كيف تبدأ هذه الأمورُ .. هناك دائماً هذه المؤشّراتُ التي يتجاهلها بطلُ القصّة ، ويستمرُّ غير عابئٍ بها.. هذه تيمة شديدة التكرار في كل أفلام التشويق والإثارة القليلة التي شاهدْتُها .. وللأسف فيبدو أنها تحدث في الواقع أيضاً ..

على أية حالٍ _ منعاً للإملال _ سأقفز مباشرةً إلى لحظة المواجهة بيني وبين البطل الخارق الأول .. كان هذا تقريباً في حدود العاشرة . نعم ! تلك المقدماتُ استغرقَتْ ساعتين .



******************


3- العاشرة صباحاً + البطل الخارق الأول = يومٌ طويلٌ !
____________________

- " من أنتِ ؟ "

نعم هذا هو " البطل الخارق " ، هذا ما لا يريكموه في تلك الأفلام .. ولكنّ ملاحظةً بسيطةً عن أبطالنا نحن " الفانين " من البشرِ سَتُظْهِرُ لكم غباءَ فكرة البطل الخارق ضخم الجثة مفتول العضلات تلك ، مَنْ هم أبطالُنا ؟ ... (أينشتاين) ، (ستيفن هوكنج) ، أو حتى : (ستيف جوبز) ، عالمُ اليومِ لا يحتاج إلى العضلاتِ ، فلماذا يحتاجها عالمٌ أكثرُ تقدماً ؟  ...
وعليه ، فهذا الشيخ متغضن الجلد هو بطلُنا الخارقُ الأول .. ويبدو من جسده المغطى بالملابس المعدنية البرّاقة أنه يرتدي " ملابسه الخارقة " بالفعل ..

- " ( دعد ) .  وأنتَ في شقتي . فمن المفترض أن أكون أنا من يسألُ : من أنتَ ؟ "

هل ترون هاتين العينين الخاليتين من أية مشاعر . وتلك الملامح المتجمدة بفعل الزمن ، وبفعل عدم المبالاة . أعني إنه في شقتي .. وأنا لا أرتدي بالضبط ما يصلح أن يُرْتدى في حضرة غريبٍ .. أوه باللعنة سيطروا على لعابكم ! إن لدينا قصةً لنرويها .. على أية حالٍ : ما أعنيه هو أنّ هذا الشيخ كان من المفترض أن يبدأ في سرد اعتذاراتِه .. ولكنّه لم يفعلْ ، إنه حتى لم يَرُدَّ على سؤالي ، بل قال في برودٍ :

- " أيُّ كوكبٍ هذا ؟ "

صباحَ الخير يا كبيرُ .. أعني حتى في تلك اللحظة كنْتُ واعيةً أنّ دخولَه الشقة مغلقة الباب ، وتلك الملابس الغريبة ..وراءهما سرٌّ ما .. ولكنّ صورةَ الرجل المتقدم في السن الذي يسأل عن الكوكب الذي "نزل فيه بالخطأ" .. هذا شيءٌ يرتبط تلقائيًّا بما لا علاقة له بالأبطال الخارقين !

- " هل ترغبُ في الذهابِ إلى بيتكم يا جدّي ؟ "

نعم ، هذا هو وجهي وصوتي عندما أحاول أن أتلطف لشخصٍ ما ، إنه ليس دعوةً مفتوحةً لكم لتنزلوا بأيديكم إلى سراويلكم .. إنما هي محاولة لخفض الجناب لرجلٍ في عمْرِ أجدادكم ، فكفّوا عن مراهقتكم تلك ..
على أية حالٍ هذا الرجل هو بطلٌ خارقُ وليس شيخاً فانياً ، لهذا فقد أغضبه السؤال :

- " أنتِ تظنينني شيخًا فانيًا يا صغيرة ؟! "

- " بالطبع لا ! ولكنْ أحياناً يخطئ الناسُ _ بغض النظر عن سنهم _ في أماكن إقامتهم .. في الواقع لقد أوشكْتُ مرةً أن أطرق باب جيراننا في الطابق العلويّ ، بعد أن أخطأتُ الطابقَ وظنَنْتُ أنني .. "

- " اسمعي يا صغيرة ، أنا أعرف أنكِ تحاولين أن تكوني مهذبة ، ولكنني بحاجة إلى إجابة عاجلة : أيُّ كوكبٍ هذا ؟ .. في الواقع يستحسنُ أن تخبريني بالمجرة أيضاً  "

- " لقد ظلَلْتَ ساعتَين تعبث في الشقة ، وأنا أتبعك من مكانٍ إلى مكانٍ ، والآن تتحدث عن إجابة عاجلة "

نعم ، هذه هي ملامحي وصوتي عندما أشعر أنّ شخصًا ما يتحامق .. وهي أيضًا ليسَتْ سببًا في نزول أيديكم إلى ما نزلَتْ إليه .. على أية حالٍ .. جاء ردُّه صادمًا :

- " أنا لم أكن أعبث في " شقة " ، لقد كنتُ أحاولُ تجميع طيفي الكموميّ في صورةٍ ماديةٍ .. وللمرة الأخيرة : أين أنا ؟ "

- " المعادي ! "

- " هذا هو الكوكبُ أم المجرة ؟ "

وفي تلك اللحظة بالذات _ كما ترون _ برزَتْ هذه العجوز الفانية من اللا مكان لتقف بجوار الشيخ الفاني ، وكلاهما يرتديان الملابس اللماعة البراقة إياها .. وقد تبادلا الكلام بلغة ذات أصواتٍ لم أسمعْها من قبلُ ، ولا أعتقد أنها تمثل أية لغة بشرية معروفة  ..
كان هذا أكثرَ من قدرتي على التحمّل ؛ لقد خرجَتْ فجأة أمام ناظريّ من العدم .. شخصًا بلحم ودمٍ .. أنا لا أستطيع أن أشاهد فيديوهات الولادة .. فكيف أتحمل هذا ؟! ... بدأَتِ الدنيا بالدوران ..

ونعم ، هذه هي ملامحي وشهقتي عندما أهوي للأرض مغمىً عليّ .. لنفترَضْ أنكم لم تفعلوا ما فعلْتموه للتوّ .. على الأقل حتى أستطيع أن أكمل القصة دون أن أقتلَ أحدَكم ..

ما الذي حدث عندما أفقْتُ ؟ .. سأخبركم حالاً ..


******************




4- عندما أفقْتُ ...
__________________

هذه ليسَتْ ملابسي ..  هذه ليسَتْ شقتَتنا .. مهلاً ! .. هذه ليسَتْ أرضَنا .. هذه ليسَتْ سماءَنا ...

ثم وصلَتْني الفكرةُ كاملةً عندما نظرْتُ حولي .. أو فيما يفترض أنه حولي ... لا شيءَ ..

قد تعتقدون أنكم تشاهدون صورًا متحركةً لمجموعة من الأشكال الغارقة في تموّجاتٍ لونيّة رائقة ... ولكنْ هذا الذي ترونه هو أنا ، والشيخ ، والعجوز ، وربما كان معنا في هذا المزيج مجموعة من الكواكب والمجرات والأكوان أيضاً ...

صوتُهما يبلغ أذني _ أو ما يفترض أنه أذني _ .. أعني لقد سمعْتُ _ أو ما يفترض أنه سماع _ .. لنقل إنني أتذكر فكرةً عقليةً ما _أيًّا تكنْ آلتُها الموصلة لها _ عن مخاطبة الشيخ للعجوز :

- " لماذا أخذْناها معنا ؟ "

- " لا نملك أجهزة محوٍ لذكريات المحصورين .. هذا هو البند الأول في اشتراطات السفر الموازي .. ألا تبقى أيُّ ذكرى عنا في عقول المحصورين . "

- " هذي هي الاشتراطات في الظروف العادية ، نحن في حالة حرب ! ربما بنهاية هذا اليوم لن يبقى المحصورون ولا أعضاء الائتلاف الأكوانيّ أحياءَ ! .. من الذي يهتم بالمحصورين في هذه الظروف العصيبة ...ما الذي سنصنعه بها ؟ "

- " بإمكانكِ أن تبدديها إن شئتِ ، المهم ألا تبقى ذكرياتها عنا في عقلِها .. أو بإمكاننا أن ننتظر حتى نعثر على جهاز محوٍ للذكرياتِ .. ومن ثم نعيدها إلى كوكبِها ! "

- " أنت تتوقع أن يبقى لها كوكبٌ في نهاية هذا اليوم ؟ "

كان الرعبُ قد استشرى في كياني _ أو ما يفترض أنه كياني _ .. وحاولْتُ الكلامَ فوجدْتُ الأفكار تنتقل مباشرةً بلا لغةٍ :

- " لا حاجة لـ " تبديدي " رجاءً ، أنا لن أخبرَ أحدًا شيئًا عنكما ولا عما رأيْتُه ، رجاءً ! "

- " كفي عن التوسل يا صغيرة ، نحن الطرف الرشيد في هذه الحرب .. ثمّ إن التبديد هو نهاية لطيفة في حد ذاتِها بالقياس إلى أن أعماركم لا تزيد على ألفي سنة .. ما الذي يفعله شخصٌ من الائتلاف الأكواني لو كانتْ حياتُه مقصورةً على ألفي سنة ؟ .. إنّ هذه فترة تنقضي في الاطلاع على فرعٍ واحدٍ من فروع المعارف الابتدائية ! "

- " ألفا سنة ؟! فرعٌ واحدٌ ؟!  هل يمكن أن تعيدوني إلى كوكبي رجاءً ! "

- " إنّ كوكبكِ ربما يكون أخطر مكانٍ في جميع الأكوان الآن .. من الحكمة أن تبتعدي عنه ، ربما عليكِ أنْ تبحثي عن وطنٍ آخر ! "

بالطبع أنتم مهتمون بمعرفة ما يجري ، وبإمكاني أن أستدعي الحوارَ الطويلَ الذي دار بيني وبين الشيخ والعجوز حول ماهية ما يجري ... ولكنْ في الواقع فأنا لم أفهم الكثيرَ مما قالاه ، ولا أعتقد أنكم ستفعلون ... ولكنْ دعْنا نبسّطِ الأمرَ على هذا النحو :

هناك مجموعة من الأشرار اتخذوا قراراً بأن يصبحوا أشراراً ، وفي نفس اللحظة التي اتخذوا فيها هذا القرار فقد انتقلوا إلى كونٍ موازٍ أو أكوان موازيةٍ وتحولوا إلى ما يشبه الروبوتات عديمة القدرة على التفكير أو الكلام أو اتخاذ القرارات ، ولكنها مبرمجة على التدمير والقتل .. ثم هؤلاء الأبطال الخارقون يحاولون تحجيم هؤلاء الأشرار ، ولكنّ المشكلة أنّ هؤلاء الأبطال لا يستطيعون أن يقتلوا شخصًا قبل أن يعرضوا عليه التخلي عن شرِّه .. وبما أنّ هذه الكائنات قد فقدتْ قدرتَها على الخيارِ فهي بصورة أو بأخرى قد حصَّنَتْ نفسَها ضدّ القضاء عليها على يد الأبطالِ .. الحل ؟ .. أن يعيد هؤلاء الأبطالِ هؤلاء الأشرارَ إلى الكواكبِ في الأكوان الموازية التي قرروا فيها التحول إلى أشرارٍ ، وحينها ستعود لهم قدرتَهم على الاختيار ، وسيصبح أمامهم أن يختاروا التخلي عن شرورِهم أو التعرض للتدمير ...

على الأقلِّ هذا هو ما فهمْته ، وإن بدا غريبًا وغير عقلانيٍّ ، وإن كنْتَ لم تفهم شيئًا من هذا ، فهذا حقك .. ولكنّ هذه هي أبسط صورة يوضع فيها الأمرُ ..

على أية حالٍ : هذا الأمرُ _ سواءً فهمْتَه أو لم تفهمه _ كان يحدث بشكل دوريّ مِنْ قِبَلِ البعض على فتراتٍ متباعدة كل عشرة مليارات سنة أو قريباً من ذلك  _ وهذا رقمٌ بسيط بالنسبة لهؤلاء ، ولكنه يعني أن كوننا ربما يشهد هذه الحادثة للمرة الأولى _ .. ولكنّ هذه المرة الأولى تختلف عن كل المرات السابقة .. في أنّ الأشرار ليسوا واحداً أو اثنين ... _وعندما كانوا واحداً أو اثنين كانوا يتسببون في تخريب كواكب بأكملها_ ... ولكنهم هذه المرة بالملايين !

والموكلون بمحاربتهم .. _هؤلاء الأبطال الخارقون_ .. لا يزيد عددهم على عشرة ... زاد الطلبُ فوجب أن يزيد المعروضُ .. لأن قوانين السوق تعمل حتى في الأكوان الموازية ... فتم تعيينُ الآلاف من " غير المتخصصين " ليحاربوا هؤلاء الأشرار ... ومن بين غير المتخصصين هؤلاء هذا الشيخ وهذه العجوز ..

هذا ما فهمْتُه منهما ... قبل أن أسأل السؤالَ المحتم :

- " هل الأرض في جملة تلك الكواكب المستهدفة من قبل هؤلاء الأشرار ؟ "

- " الأرض ؟ إن مجرة درب اللبانة كلها في هذا الكون ستصبح مركزَ الحرب بيننا وبين هؤلاء الأشخاص ! "

- " المجرة بأكملها ؟ "

- " بأكملها ؟! إن هذه هي البدايةُ فحسب ... من المحال أن ينتهي هذا الأمرُ دون تدمير معظم المجرة ، ولكنّنا حريصون على بقاء كونِكِ غير مدمّرٍ .. فهو جديرٌ بالحماية ، إنه لا يزال صغيرَ السن نسبيًّا ! "

- " ولكنْ هناك بشرٌ على الأرض ، هل ستحاولون حمايتَهم ؟ "

- " حتى يحدث ماذا ؟ أن يتأخر موتُهم لألفي سنة؟ .. سيّانَ الموتُ الآن أو الموتُ بعد ألفَي سنةٍ ؛ إنّ ألفي سنةٍ هي في حكم العدم ..بل لعلَّكم تعيشون لأقل من هذا حتى ...  إنّ هذا هو سبب اختيار هذا الكون أصلاً .. لأنّ كلّ مَن فيه من المحصورين ، ولا يوجد فيه أعضاءٌ في الائتلاف الأكواني ! "

- " مهلاً .. ماذا تعني بـ " اختيار " ؟ "

- " ألم تفهمي ما شرحْتُه قبل قليلٍ ؟ "

- " لقد فهمْتُ بعضَه ! "

- " حسناً ، سأعيد هذه النقطة بتفصيل موغل في التبسيط : ... أعضاء الائتلاف الأكواني خالدون .. على الأقل على المستوى النظري .. نحنُ لا نموتُ بالتقدم في السن ، ولكنْ من الممكن أنْ نموتَ بعوامل أخرى .. هذا شيءٌ جيدٌ ... ولكنْ بعد قراءة كل المعارف والاطلاع على كل الأفكار والتمتع بكل اللذائذ وتجربة كل الخيارات ... بعد مليارات مليارات السنين .. يبدأ الشعورُ بالملل .. فكّر أحدُ العباقرة الأوائل في أننا بحاجة إلى كيانات غير جامدة ذات قدرة عقلية منخفضة نستمتع بمشاهدتها وتشْعِرُنا بتفوقِنا ونتلذذ بالتدخل في حيواتهم وتغيير مصائرهم .. لنتغلب على مللنا  .. كانَتْ هذه هي بداية إنتاج المحصورين .. من أمثالكِ .. وفرقناهم على مجموعة من الأكوان في مجموعة من الكواكبِ فيها .. كان هذا حلًّا رائعاً  لمشلكة الملل .. سرعان ما أصبحَتْ لدينا عشرات الملايين من حيوات المحصورين المختلفة الملأى بالمشاكل والنزاعات والعداوات والصداقات .. لا يوجد شخصٌ في الائتلاف الأكوانيّ لم يستمتع بمشاهدة مليارات الأفراد من المحصورين ، طيلة حيواتِهم وهم يكافحون للتغلب على الأمراض والمصائب ويتعللون بالروحانيات والذكريات السعيدة ليبرروا تحملَهمْ لحيواتِهم البائسة ... ثم يتدخل أحياناً بين الفينة والأخرى _ في صورة فانيةٍ _ ليتفاعل معهم ويصير موضع احترامهم أو كراهيتهم أو احترام بعضهم وكراهية بعضهم ...كانَ هذا هو أفضلَ اختراعٍ شهدْناه منذ رقمٍ لا يستطيع عقلُكِ استيعابَه من السنين ...
ثمّ : حدث المللُ مرةً أخرى .. على الرغم مما تعتقدون أنه تفرّدٌ هائلٌ لكل فردٍ منكم عن الآخرين ، فالواقع أنكم تكررون الكثير جدًّا من أفعال أسلافكم إلى حدِّ التطابق .. وهذا ينطبق على محصوري الأكوان الأخرى أيضاً .. "

- " لماذا تسموننا محصورين ؟ "

- " لأن حيواتِكم محصورة بين بداية ونهاية .. على أية حالٍ .. كانتْ هناك مخططاتٌ من أجل إنشاء نوعٍ آخر من الكائنات الحية ذي صفات شديدة التباين عنكم .. من أجل تحريك الماء الراكد وزيادة الحماسة والتشويق .. ولكنْ هذه المقترحات كانتْ بلا جدوى .. بإمكانكِ أن تغيّري كل ما أمكنكِ تغييرُه من صفات الكائنات منخفضة الذكاء من أمثال بني جنسكِ .. ومع ذلك فيسيتمرون في نفس الأفعال ويكررون نفس السلوكيات : إفناءَ بعضهم البعض باسم كل شيءٍ مقدسٍ لديهم .. أعني : نحن لا نهتم كثيراً بحياتكم ، ولكنّ المشكلةَ في الملل المصاحبِ لهذه العمليات التدميرية شبه المتماثلة ...

وفي النهاية : قرّرَ أحد العباقرة أنه لن يزيلَ مللَنا إلا أنفسُنا .. وأنّ علينا التضحية بقدرٍ من السلامة والأمانِ حتى يعود إلينا التشويقُ والرغبةُ في الحياة .. مِنْ مثلِ ما تشعرين به أنتِ وسائر المحصورين ... فكان هذا الامرُ الذي شرحتُه لكِ .. أن يتحوّلَ بعضُنا إلى أدواتِ تدميرٍ هائلةٍ ، وتنعدم لديه القدرة على الاختيار ؛ حتى يزيد الأمرُ تشويقًا ، ونحاول نحنُ إيقافَه .. ويظل هذا الحدثُ مركزَ اهتمامِنا لمليارات السنين قبلَ أن نملّه أيضًا .. فيقوم شخص أو مجموعة أشخاصٍ بنفس الأمر ، وهلم جرًا ..
 ولكنْ للأسف فإن هذا أيضًا قد بدأْنا نملَّه بعد فترةٍ ... وهذه هي النقلة الثالثة : ملايين الخالدين يقومون في اللحظة نفسها بالتحول إلى أشرار .. هذا جدٌّ لا عبثَ فيه .. قد يكون من الصعبِ حتى أن نحصرَهم في هذا الكون ؛ مما يعني أنهم قد يستطيعون النفاذ إلى أكوانٍ أخرى .. وتلك الأكوان الأخرى قد يكون فيها خالدون أو كما نسميهم : أعضاء في الائتلاف الأكواني ، وربما يستطيعون القضاءَ عليهم .. بل ربما يقضون علينا جميعًا ... لا أعتقد أنني شعرْتُ في حياتي كلِّها بهذا القدر من الرغبة في الحياة ، والخوف من المجهول ..  "

- " لقد وصلْنا "

فجأة عاد جسدي لماديّته وعاد جسدا الشيخ والعجوز لماديتهما أيضاً_ أو لعلهما تحوّلا من طبيعتهما التي كانا فيها إلى هذه الصورة المادية الطارئة ، فأنا لا أدري شيئًا عن طبيعتِهما _ ...

وهبطْنا على ظهرِ هذا الكوكب _ أو لعله قمرٌ ، أو نيزك ، أو شيءٌ آخر لا وجود له في كوننا ، فقد يكون هذا كونًا آخر _  .. وبالطبع كما ترون ، فإن جسدي وحده هو من قام بهذه الرحلة دون ما عليه .. في الواقع .. أنا أعذركم هذه المرة .. لقد حاولْتُ أن أطلبَ من الشيخ أو العجوز ملابسَ .. ولكنْ بدَتْ تلك فكرة غريبة .. لقد اعترفا أنهما شاهدا المليارات من البشر من بداية حيواتهم إلى نهايتها .. مَن يهتم بكوني عاريةً وقد شاهد مليارات البشر طيلة حيواتهم ؟

ولكنْ بالنسبة لكم أنتمْ .. _ولعلّ بعضَكم لم يرَ امرأةً عاريةً في حياته _ .. فأنتم معذورون .. ولكنْ ليس إلى هذا الحدِّ .. أتدرون ماذا ؟ ...
دعونا ننتقلْ من هذه اللحظة إلى لحظة لقائي بالبطلة الثالثة .. هذه نقطة مهمة في أحداث ذلك اليوم .. كما أنها مشكورةً كانتْ أكثر تعاطفًا مع " المحصورين " ، حتى إنها جاءتْني بما أرتديه ... نعمْ ، هذا العرضُ الذي استمتعم به سينتهي سريعاً ..



******************



5- البطلة الثالثة جالبة الملابس
___________________

لم يكن ما جلبته البطلة الثالثة _ واسمُها ( حسناء )_ هو " ملابس " بالضبط ... بل كانَتْ أقربَ إلى قطعة قصيرة من مادة شديدة النعومة والرقة ..وفيها ثلاث فتحات متساوية في إحدى النهايتين لتدخل فيها الرأس واليدان وفتحتان متساويتان في النهاية الأخرى لتدخل فيها الرجلان ... المشكلة أنك لا تدري من أين تُدْخِلُ الجذع الذي لا تتسع له أيٌّ من الفتحات الخمس !

ولما رأتْ ( حسناء ) _ وهي بالمناسبة حسناء جدًّا ، وتبدو في أوج شبابها _  حيرتي .. قالَتْ :

- " يبدو أنَّ هذا الشيءَ غيرُ عمليّ "

وقاطعها الشيخ :

- " لا وقت لدينا لهذه التفاهات ... علينا أن نجهز المصيدة "

هزَّتْ ( حسناءُ) رأسها في تفهم ، وانشغل ثلاثتُهم بتجهيز " المصيدة " ، أيًّا يكن المقصودُ بها ...

وظللْتُ أنا _ كما ترون _ أحاول أن أستعمل قطعة الملابس هذه كملابس صالحة للارتداء دون جدوى .. ثم خطر لي أن أحوّل هذا الشيءَ إلى ما يشبه الفستان ... إن المادة رقيقة للغاية ومن السهل تمزيقها .. لو وسعت فتحتي الرجلين ، أو مزقْتُ ما بينهما للدقة ،  لتصبح هذه النهاية مفتوحة بالكلية فبإمكاني أن أرتدي هذا الشيءَ على أنه فستان .. أو قميص نومٍ على الأدق ، بالنظر إلى رقته وشفافيته وقصره ...  وقد كان .. الآن أبدو وكأنني ممثلة إغراء .. ولكنّ هذا أفضلُ من البقاء عريانةً .. وإن كان سيلان لعابكم يشكك في دقة هذا التصريح ..

على أية حالٍ : فرغ ثلاثتُهم من تجهيز شيءٍ ما يبدو كحقلٍ كهربائيٍّ أو ما يشبه .. ولم يمضِ الكثيرُ من الوقتِ حتى ظهر شخصٌ ما من اللا مكان ليلتقطه الحقلُ الكهربائيّ .. هذه المرة لم يُغْمَ عليّ ... ونظرْتُ إلى وجه " الشريرة" فوجدْتُه أجملَ رجلٍ رأتْه عيناي .. ليس جمالاً بشريًّا على الإطلاق .. شيءٌ يفوق الوصفَ !

وتكلمَتِ الشريرة :

- " عملٌ رائعٌ ! لم أتوقَعْ أن يُقْبَضَ عليّ بهذه السرعة !  "

ورد الشيخ :

- " بالملايين ؟ هل تعتقدون أننا قادرون على الإمساك بكم جميعاً ؟ قد ينتهي الأمرُ إلى كارثة ! "

- " لا تخفْ ، نحن أردْنا أن يزيد الأمرُ تشويقًا .. ولكنّنا بالطبع حريصون على حياة الخالدين .. ولهذا فقدْ استوثقْنا من أنّ أحدًا منا _ حتى بعد تحولِه إلى شريرٍ _ لن يخرج خارج هذا الكونِ ! "

تنفس الثلاثةُ الصعداءَ ، كأنّه قد سرِّي عنهم .. وقالَتْ ( حسناء ) :

- " لوهلةٍ فقد ظننْتُ أن حضارتَنا كلَّها على المحكّ ! "

نظرَتْ إليها الشريرَةُ كالمعاتِبَةِ ؛ لأنها جرؤتْ على التشكيك في أنّ شرَّها سيتجاوزُ المحصورين إلى الخالدين !

كان هذا دوري لأنفجر :

- " وماذا عن مليارات الأبرياء من البشر الذين عرَّضتم ولا زلتم تعرضون حياتهم للخطر ؟! نحن لا حسابَ لنا عندكم ؟! "

ردَّتِ الشريرةُ في هدوءٍ :

- " لو لم يكنْ هناك شيءٌ يستحق الدفاعَ عنه ، فأين المتعة في الموضوع كله ؟ وبالمناسبة : نعمْ ، حياتُكم ليسَتْ مهمّةً ، إنّ كونكم هو المهمّ ، فهو صغير السن نسبيًّا .. أمّا المحصورون الذين فيه فهم أقل قيمةً بكثيرٍ من الكون الذي يحملهم ! "

هذه الأفعى لا تزالُ شديدَةَ الجمالِ .. إنني أرغبُ في إيذاء نفسي بسبب ما أشعر به تجاهها .. ولكنّ هذا لا ينفي أن صلفَها مقيتٌ فعلاً :

- " ماذا عن البشرِ ، هل قضيتم على أحدٍ منهم ؟ "

- " البشر ؟ "

ردَّتْ ( حسناء ) في لا مبالاةٍ ، وإن حاولَتْ التظاهر بالتعاطف معي :

- " تعني المحصورين من سكان كوكب ( ش- 3051 ) ... في الواقع إن متوسط سنهم في حدود خمس وستين سنة  !! "

ضحكَتِ الشريرَةُ ضحكةً شريرةً _ لا تزال الوغدة فاتنةً _ :

- " هل هذه مزحة ؟! .. أنا لا أذكر أننا صنعْنا أحدًا بمتوسط السن المثير للرثاء هذا  ! "

ردّ الشيخُ في حرجٍ :

- " في الواقع لقد كان أخي هو المسئولَ عن تصميم ذلك الكوكب ومَنْ فيه .. لقد كان هذا في بداية شعورِنا بالملل من تكرار المحصورين لأفعال أسلافهم ، وفكّر أخي أن إنشاء محصورين ذوي أعمار بالغة القصر سيؤدي إلى مزيدٍ من التجديدِ .. "

أضافَتْ العجوزُ :

- " ولكنْ _ كما تعلمين _ فهذا لم يحدث ؛ لقد ظلَّتْ أفعالُهم متشابهةً مع بقية المحصورين .. وسرعان ما مللْناهم أيضاً "

ردّتِ الشريرَةُ في استهزاءٍ :

- " هذا يعني أنّ " البشر "  هم أقلّ المحصورين قيمةً في هذا الكون . لماذا إذاً تقف هذه أمامي لتسألَ عن قومِها ؟ "

ردَّتْ العجوزُ في حرجٍ :

- " نحن مبتدئون في صناعة محاربة الأشرار هذه... وعندما استعدْنا هيئتنا المادية كانتْ هذه قد رأتْنا .. ولم يكن معنا أجهزةَ محوٍ ! "

- " لماذا لم تبدِّدُوها إذًا ! "

نظرَتْ العجوزُ في عتابٍ إلى الشيخ الذي قال معتذرًا :

- " لا أدري ! المفترض أن يكون كلّ هذا من أجل القضاء على مللنا .. وقد بدا لي أنه من المسلّي أنْ أبقي عليها حيةً !  "

قالَتْ ( حسناء ) في تعاطفٍ معي :

- " إنها مسلية بالفعل ، هل يمكنني الاحتفاظ بها .. بعد الانتهاء من أحداثِ اليومِ بالطبع.. ؟ "

- "  أنا لسْتُ دميةً ليُحْتفظَ بي ! أنا أريد العودة لشقتي ولأمي وأبي وشقيقيّ .. الآن ! "

قالتِ الشريرَةُ في سخريةٍ :

- " هل تريدون إعادتَها إلى كوكبِها .. حتى لا تغضبَ عليكم فتذيقَكم الويل ! "

ابتسمَتْ لها ( حسناء ) وكأنها تقول : أنا أعلم كيف أتعامل مع هؤلاء المحصورين .. ثم اقتربَتْ مني ، ووضعَتْ يديها على كتفيّ ، وكانتْ أطولَ مني بكثيرٍ ، ثمّ قالَتْ :

- " اسمعي يا حلوة .. نحنُ لا زال أمامَنا الكثيرُ لنفعله قبل أن تنتهي هذه الأزمة ونضمن سلامة كونكِ بما في ذلك مجرتكِ بما في ذلك كوكبكِ .. عليكِ أن تكفي عن الطفولةِ وأفعالِها .. وتسمعي لنا ..  وإلا فسأضطر لعقابكِ أمام هؤلاء الناسِ .. ولن أهتمَّ بمن سيرى عقابكِ .. هل هذا مفهومٌ ؟ "

ونعم . هذا هو وجهي عندما تعلوه حمرةُ الخجلِ .. في الحقيقة لقد كانتْ هذه الحسناءُ الخالدة هي الأخرى ذات جمالٍ غير بشريٍّ .. ولمّا لمْ أردَّ عليها بشيءٍ ، فقد أدارَتْني بيديها حتى استدبرْتُها ثم صفعَتْ مؤخرتي _شبه المكشوفة تحت "الفستان" مفرط القصر_ بيمينِها قبل أن تديرني مرَّةً أخرى لأقابلَها ، ثم تعيد السؤال :

- " هل هذا مفهومٌ ؟ "

- " نعم .. سأسمع الكلام !  "

- " هذا جيّد يا حلوة .. أنا أكبرُ من أن تعني أنْتِ أو كوكبُكِ لي شيئًا .. ولكنّني مع ذلك سأحافظ عليكِ وعلى بني جنسكِ إن بقيْتِ مؤدبةً .. هذا مفهوم ؟   "

- " نعم ، سأكون مؤدبةَ ! "

ماذا ؟ .. دعوني وشأني .. لو كنتمْ مكاني لقلْتمْ مثلَ ما قلْتُ .. إنها تعرض عليّ المحافظة على الجنس البشريّ كله مقابل التظاهر بالانصياع لأوامرِها ... ماذا ؟ .. "هذا ليس تظاهرًا! ".. لنفرض أنكم محقون .. إنّ جمالَها أخّاذٌ وهي تكبرني ببضعة مليارات من السنين على الأقل .. هذا يشفع لي في الانقياد لها والانصياع لأوامرها - بدون تظاهرٍ .. ولو لم تكفوا عن هذه التعريضات القبيحة فسأكف عن إخباركم بالقصة .. حسنًا ، هذا جيدٌ .. أينَ كُنَّا ؟ .. نعم ، عندما صفعَتْ مؤخرتي .. أعني عندما عرضَتْ عليّ الحفاظ على البشر مقابل التظاهرِ بطاعتِها ..

من هذه النقطة فصاعداً ستأخذ الأمورُ منحًى أكثرَ سلاسةً .. هم صاروا واثقين أنّه لا خطرَ عليهم من هؤلاء الأشرار بعد أنْ تأكدوا من أنّ كوننا هو الذي على المحك دون سائر الأكوان .. لأنّ هؤلاء الأشرار ليسوا أشرارًا بالفعل _ من وجهة نظر الأبطال _ وإنما أصدقاء يتظاهرون بأنهم أشرار لمزيدٍ من التشويق الذي يفتقده الخالدون بعد أن ملّوا من كلِّ شيءٍ معلوم العواقب .. وبدأوا في التوق إلى المجهول والأخطار التي يحملها المجهول ...

وأنا أيضاً لم أعدْ بهذه العصبية ؛ فقد تكفَّلَتْ ( حسناء ) بضمان حياة البشرِ.. أو على الأقل هذا ما فهمته منها ... ولذا لم يعدْ هناك خطرٌ عليّ .. ستنتهي أحداثُ هذا اليوم ثم سأعود إلى الأرض ، وكأنّ شيئًا لم يكنْ ..

ولكنّ الأمورَ لم تسرْ بهذه السلاسة المطلقة .. دعوني أخبرْكم عما حدث في الكوكب الحممي .. هذه التسمية من عندي بالطبع .. ولكنها ترجع إلى امتلاء ذلك الكوكب بالحمم ..

**********



6- لهيبٌ في الكوكبِ الحمميّ
_____________________________

بعد القبض على عشرات الأشرار .. واكتشافي أنهم جميعاً أصدقاءٌ للأبطال يشاركون في هذه "اللعبة"  الأكوانية .. انتقلْنا إلى كوكب الحمم .. بمجرّد اقترابِنا منه شعرْتُ بارتفاع درجة حرارتي بصورة مخيفة .. وفطنَتْ ( حسناء ) إلى ما يحدث فاستخرجَتْ _ لا أدري من أين _ شيئاً يشبه كابينة الهاتف .. نصبَتْه في أرض الكوكب ، وأدخلَتْني في الكابينة وأغلقَتْ بابها عليّ .. وأشارَتْ إليّ بإصبعِها لأبقى في الداخل حتى تعودَ إليّ .. لمْ تكنْ بحاجةٍ إلى أن تأمرَني .. إنّ حرارةَ هذا الكوكبِ كادَتْ تقتلني .. ثمّ تحرّكَتْ هي والشيخ والعجوزُ مبتعدين عن ناظريّ ..

وبقيْتُ في هذه الكابينة لفترةٍ .. قُلْ ساعةً أو ساعتين أو عشرةً .. لقد فقدْتُ الإحساس بالوقتِ .. وفجأة خطر لي خاطر مخيف .. ماذا إذا كانتْ ( حسناء ) قد نسَتْ وجودي .. لا يبدو أنني بهذه الأهمية .. بل إن الجنس البشري كله ليس بهذه الأهمية بالنسبة لهم .. لعلها بعد أن قبضَتْ على ما أمكنها من الأشرار اقترحَتْ على العجوز والشيخ العودة إليّ فأقنعاها بتجاهلي وتركي لمصيري .. لأنّ الأمرَ لم يعدْ مسليًّا بالنسبة لهما .. ولعلها اقتنعَتْ بكلامهما ..

كانَتْ هذه الخاطرةُ في حجم رأس الدبوس .. ثم ظلَّتْ تتمدد _ بفعل حرارة الكوكب على الأغلب ! _  حتى ملأتْ رأسي تماماً .. وصرْتُ شبه متيقنة من صحتِها .. حاولْتُ طرقَ البابِ وكأنني أستدعي أحداً في هذا الكوكب الخلاء ، ولكنّ أحدًا لم يردّ بالطبع .. بدأتُ في البكاء ثم استحالُ البكاءُ نحيبًا ... سأفقد حياتي في هذا الكوكب القفر .. وليس هذا فحسب .. بل هناك احتمالية أن تموت أسرتي وبلدي وكوكبي كله على يد أحد هؤلاء الأشرار أو الخيّرين على حدٍّ سواء ؛ فنحن لا نعني شيئًا لأيٍّ منهم .. زاد بكائي شدةً ... ثم بعد فترةٍ طويلةٍ من البكاء والأفكار السوداويّة وصلْتُ إلى قرارٍ مخيفٍ ... وإذا لمْ يكن من الموتِ بدٌّ // فمن العجز أن تكون جباناً .. أو جبانةً للدقة ..

سأفتح هذا البابَ ، وبمجرد أن أفعلَ ذلك سأضوي تحت تأثير الحرارة الفائقة ، ولكني سأموتُ وأنا أهتف باسم ( مصر ) ، أو لعلّ من الأنسب أن أهتف باسم الكوكب كلِّه : يحيا كوكبُ الأرض .. ثم أموتُ في اللهيب .. هذه تبدو نهاية بطوليّة خالدة .. فقط لو بقي في الأرض أحدٌ من البشر حتى يخلّدَها .. على أيّة حالٍ .. ما إن وضعْتُ الفكرة موضع التنفيذ ، وبدأتُ في فتح باب هذا الشيء الشبيه  بالكابينة .. حتى وصلَتْني الحرارة الملتهبة .. أجزاءُ من الثانية نقلَ جلدي فيها هذا الإحساس الحارق إلى عقلي .. فقرّر عقلي في التو واللحظة أن تلك الأفكار البطولية سخيفةٌ وساذجة للغاية .. إذا لم يكن من الموت بدٌ فلماذا لا نؤخر ذلك الموتَ المحتوم إلى أبعد نقطة ممكنة؟ .. ثم لماذا لا ننتقي أقل المِيتَاتِ ألمًا لتكون تلك الميتة هي النهاية المحتمة ؟.. الموتُ محترقةً ؟! مَنِ البلهاءُ التي فكرتْ في هذا ؟!

جاءني تكبيتُ عقلي في أجزاء من الثانية قبل أن تبدأ بروتينات جسدي في التحول إلى بيضة مسلوقة والكفّ عن العمل .. وفجأة - ربما  في جزء من ألف جزء من الثانية .. وجدْتُ يداً تدفعني إلى داخل الكابينة وتغلق بابها ثم ترشّ عليّ ما بدا وكأنه محلولٌ ثلجيّ مرطب .. أعتقد أنه لولا هذا المحلول لأصبْتُ بحروق من الدرجة المئة !

ثم جاءني الصوتُ المتوقع :

- " ألَمْ أطلبْ منكِ البقاء في هذا العازلِ ، لماذا فتحْتِ بابَه ؟! "

كان صوتُها غاضبًا .. هذه الخالدة غاضبة عليّ أنا ؟ .. ألا يفترض أنها أكبر وأعظم وأجلّ مِن أن تعبأ بالمحصورين ؟ .. لم أقلْ شيئًا ، فجاءني السؤالُ التالي أكثر غضبًا :

- " لقد كنا على وشكِ إلقاء القبض على أحدهم ، عندما شعرْتُ بما توشكين أن تتعرضي له ، فتخليْتُ عن مكاني في نصبِ المصيدة - ولا شك أنه هرب .. كلّ هذا بسبب طفوليتكِ وأفكاركِ الساذجة وظنُّكِ أننا مثلكم لا نفي بعهودِنا !! "

كيف عرفَتْ ما كنْتُ أفكِّرُ فيه ! .. كان الشعورُ بالذنبِ يغطيني من قمة رأسي إلى أخمص قدميّ ، وقلْتُ - بدون تظاهرٍ :

- " أنا فعلًا آسفة .. لقد ظنَنْتُ أنكِ تحتقريننا مثل أصحابكِ .. ورأيْتُ أن أموتَ بيدي لا بيد عمرو "

- " من عمرو ؟ "

- " إنه تشبيه في لغتي الأم يعني .. "

نعم . هذا الذي ترونه قد حدث ؛ لقد قاطعَتْني بفمِها .. حرفيًّا .. لنقلْ إنني غير راغبة في أن يطلع أحدٌ - خصوصاً أنتمْ بشهوانيتكم المقززة .. على تلك اللحظة الخاصة .. فلنتقدم في الأحداث بسرعةٍ إلى النقطة التي وصلْنا فيها إلى كوكب الزهرة - ليس الكوكب الثاني في المجموعة الشمسية ؛ هذا كوكب مختلف في مجموعة نجمية مختلفة .. على أية حالٍ .. ماذا ؟ .. تريدون على الأقل وصفًا لما حدث .. لا لن أقدم وصفًا لما حدث .. أنا حرة ! .. بإمكانكم أن تقاضوني في المحكمة الأكوانية العليا .. إن كان هناك شيءٌ بهذا الاسم ..

*******




7- كوكب الزهرة - ليس ذلك الكوكب القريب من الأرض
_______________________

حسنًا ، أنا كنْتُ عازمةً ألّا أصفَ شيئًا مما جرى في تلك الفترة التالية على تلك القبلة  .. ولكنْ هذا المشهدُ يُسْتَفْتَحُ بي عاريةً - حتى من ذلك "الفستان" .. ومؤخرتي حمراء قانية ... لهذا سأمرّ في عجالةٍ على ما تسبب في هذين الحدثين .. أوّلاً الفستان علق في إحدى الأغصان المتفرعة من إحدى الأشجار في أحد الكواكب .. بإمكانك أن تحاول إثباتَ أن ما حدث شيءٌ آخرُ .. ولكنّ هذه مشكلتَك .. أمّا هذه الحمرة التي تغطي مؤخرتي .. فسببُها _ كما هو واضح _ سقوطي المفاجئ غير المتوقع في أحد الكواكب ذي الطبيعة الصخرية القاسية .. سقطْتُ على ما يسقط عليه البشرُ في المعتاد- مؤخراتهم .. فنتجَ هذا اللونُ الذي ترونه .. مرةً أخرى على المشكك اللجوء إلى القضاء ..

هل انتهَيْنا من هذا التفسير الواقعيّ ؟ حسنًا .. الآن ننتقلُ إلى هذه الابتسامات التي لا تكف ( حسناء ) عن تبادلِها معي .. وعن يدِها التي تتسارع بشكلٍ مطردٍ لتقبض وتلمس وتصفع برفقٍ مؤخرتي العارية بينما نحن نسير في ذلك الكوكب ذي الطبيعة الفتانة .. أنا أحاولُ البحثَ عن تفسيرٍ منطقيّ لهذه السلوكيّاتِ .. ولكنْ في الواقع ليسَتْ كلُّ الأشياءِ مبررة في هذا العالم .. لهذا لا أدري بالضبط ما الدافع الذي دفعها لصنع هذا .. إن هؤلاء الخالدين غريبو الأطوارِ على أية حالٍ ..

الآن ننتقل إلى المهمّ .. لقد كانَتِ الأخبارُ تُتَبادلُ طيلةَ الوقتِ بين هؤلاء " الأبطال الخارقين " .. وكان اليومُ موشكًا على الانتهاء - في الواقع نحن نتكلم عن كوْنٍ بأكمله ، لقد مرَّتْ سنواتٌ في بعض الكواكب .. ولكنْ بالمقياس الأرضي لم تكنْ قد مرَّتْ على بداية الأحداث أربع وعشرون ساعة بعد ... المهمّ كانَتِ الأحداثُ في نهايتِها .. ولمْ يبقَ إلا بعضُ الأشرارِ هنا وهناك .. وكنّا نحنُ في كوكب الزهرة على استعدادٍ لنصبِ مصيدةٍ لواحدٍ من أكبر هؤلاء الأشرار عندما يُلْقَى إلينا من كوكبٍ آخر آنيًّا ... تفاصيل كثيرة تحكم كلَّ هذه العملية - هذا ما يجعل الأمر مشوقًا بالنسبة لهؤلاء الخالدين .. ولكني صراحةً لم أفهم الكثير من شرح ( حسناء ) لما يجري... ولهذا فلنقلْ إن هذه المصيدة بالذات معقدة للغاية ، وقد شارك فيها عددٌ من الأبطال الآخرين الذي أراهم للمرة الأولى ..

ولهذا تجدونننا واقفين ... قرابة العشر أشخاص .. كلهم في ثيابهم البراقة .. باستثناء هذه الفتاة الحسناء بشرية الملامح التي تقف قريبةً من إحداهنّ التي لا تكف عن مداعبتِها بإحدى يديها بينما يدُها الأخرى ممسكة بجانبٍ من المصيدة ..

- " ( حسناء ) كفي عن اللهو مع المحصورة .. وانتبهي لإحكام المصيدة ! "

- " إنني منتبهة تماماً للمصيدة "

ومع قولِها هذا _ كما ترون _ فقد أدنتْني بيدِها وقبضَتْ عليّ في حضنِها كأنني في مصيدة ، وأوسَعَتْني كعمًا ... هذا أيضًا مبرّرٌ منطقيًّا .. لأنّ مستوى الأكسجين ليس بهذا الارتفاع في هذا الكوكب فهي بحاجة إلى تزويدي به مباشرة عن طريق الفم .. أعني لا داعي لافتراض أنّ هناك شيئًا غيرَ علميٍّ يحدث هنا ...

وعلى الرغم من مشاركتِها بيدٍ واحدةٍ في المصيدة ، ومن التفاتِها بكلّيتِها إليّ   فقد استطاعَتْ ( حسناء ) _ مع بقية زملائها _ القبضَ على هذا الشرير الكبير ، و"إقناعه" بالكفّ عن " شرِّه " .. كانتْ هزليّة الموقفِ لا تزال مخيفةً بالنسبة لي ..

بعد ذلك كانَ بقيّةُ الأبطالِ قد زادَتْ نسبتُهم بشكلٍ كبيرٍ بالقياس إلى المتبقين من الأشرار ، ولم يستغرقِ الأمرُ دقائقَ حتى قضوا على  بقية " الأشرارِ " ، وأنهَوا تلك الحرب المصطنعة .. وعادَ كلٌّ لكونِه ليحكي قصصاً ويستمتع بذكرياتٍ مِن هذه الحرب الأكوانية العظمى ..

بعد عددٍ من المليارات من السنين ربما يكرر هؤلاء نفس هذه المسرحية الملحمية .. أو ربما يقومون بشيءٍ أكثر خطورةً ليدفعوا عن أنفسهم الملل .. ولكنّ الجنسَ البشريَ سيكون حينها قد فني على الأغلب ..

آه بمناسبة الجنس البشريّ .. عندما عدْنا إلى الأرضِ كانتْ مفاجأةً بالنسبة لي - كلُّ شيءٍ مهدّمٍ .. كل الأحياء - بشرًا ونباتاً وحيواناتٍ .. قد قُتِلَتْ ... ونظرْتُ في رعبٍ إلى ( حسناء ) التي ابتسمَتْ وقالَتْ لي :

- " لقد علموكم في " غرف التعليم " أنه بموت الإنسان تنتهي حياتُه ... في الواقع هذا دقيقٌ بالنسبة إلى قدراتكم ، ولكننا نحصي بشكل دوريّ متجدد كل دقيقة جميعَ المعلومات والمدخلات التي يشعر بها المحصورون والحيوانات ذات الذكاء الأقل أيضاً ، ونستطيع إعادة صنعهم مرة أخرى ... بعبارةٍ أخرى : هذا الفناء الذي ترينه مؤقتٌ - سنعيد الأرض إلى سابق عهدها ولكننا سنمحو من معلومات _ أو ذكريات كما تسمونها _ سكان الأرض - بشراً وحيواناتٍ .. أيةَ ذكرى عما رأوه قبل أن يفنوا .. كل هذا من أجلكِ أنتِ يا صغيرتي .. من المفترض أن يدين كلُّ هؤلاء لكِ بالوفاء ! "

لم أدرِ إن كان عليّ أن أشكرَها .. أم أن أسبَّها - بالنظر إلى أنها هي وبنو جنسِها هم السببُ وراءَ كلِّ هذه المهزلة من البداية .. ولكنّني شكرْتُها ..

 وكما ترون فهذه هي طريقةُ الخالدين في الشكر - إنها تشبه بعض السلوكيات الجنسية التي نقوم نحن بها .. ولكنْ دعوني أؤكدْ لكمْ أنّها لا علاقةَ لها إطلاقاً بأي بعدٍ جنسيٍّ لدى هؤلاء .. فكفّوا عن هذا التصفيرِ الماجنِ !

كانتْ ( حسناء ) محقة بالطبع ، وقد رأيْتُ بأم عيني الأرض وهي تعود إلى بهائها ، والبشر والنبات والحيوان وهم يعودون إلى الحياة - حرفيًّا ..

وفي الحادية عشرة مساءَ يومِ الخميس الحادي والعشرين من يوليو بتوقيت القاهرة - استمرّ البشرُ جميعاً في سلوكياتهم التي توهموا أنهم كانوا منخرطين فيها بينما في الواقع لقد غابوا عن الوجود كله يوماً أو أقل أو أكثر ... لم يشكّ أحدٌ منهم فيما جرى ؛ لأن الخالدين مرعبو التقدم التكنولوجي بالقياس إلينا ، وعندما يرغبون في إخفاء شيءٍ فإنهم يخفونه .. ولكنني سألْتُ ( حسناءَ ) عابثةً عن دليلٍ يذكرني أنا بأنَّ ما حدث قد حدث بالفعل .. وفي التوّ واللحظة  أقنعَتِ الخالدَ الموكل بإعداد نسخٍ مطبوعة زائفة من الصحف الأرضية المختلفة الصادرة يوم الخميس وتلك المعدة للصدور يوم الجمعة _في سياق عملية التمويه تلك _أن يتخلى عن هذا الأمر .. فقال في استغرابٍ : " ولكن البشر سيكتشفون حينها وجود شيءٍ غريبٍ " ، ولكنّ ( حسناء ) ردَّتْ في عبثٍ : " هذا مستبعد ؛ إنهم أغبى من هذا " ثم نظرَتْ إليّ في تحدٍّ عابثٍ وكأنها تطلبُ مني أنْ أعترضَ ، ولكني قلْتُ في استهزاءٍ : " أتفق تماماً معكِ .. ومع ذلك فمَنْ ينشغلُ قلبُها بأحد هؤلاء الأغبياء .. فلا بدَّ أنها أكثرُ غباءً ! " .. وللأسف فقد أدى هذا التعليق _ بصورة غير متوقعة على الإطلاق _ إلى أن أسقط على مؤخرتي مرةً أخرى .. وعلى أرضيةٍ صلبةٍ خشنةٍ أيضاً ... عليّ أن أعدَّ بحثًا عن : (علاقة التعليقات المستهزئة بالخالدين بالسقوط المفاجئ على المؤخرات : تعليقات ( دعد ) على الخالدة ( حسناء ) نموذجاً )... سيكون هذا بحثاً مهماً !

هل بقي شيءٌ لأخبركم به ؟ لا أعتقد ، ولكنْ .. ! مهلاً ! ما هذا الصوتُ ؟ إنه يشبه تجمع طيفٍ كموميٍّ في صورةٍ ماديةٍ .. هل هذه هي... ؟ نعم ، هذه (حسناء) !

*********

8- الآن تنتقل الكلمةُ إلى ( حسناء ) !
_________________

- " ( حسناء ) ! "

- " ألم نتفقْ يا صغيرتي ، على ألا تخبري أحدًا من المحصورين بهذه القصص ؟ هلْ ساءكِ أنّك بطلة أنقذَتْ بني جنسِها ، ولكنهم لا يعلمون شيئًا عن ذلك فأرَدْتِ أن تمني عليهم ببطولتكِ ؟ "

- " كلا!  .. على العكس ...  لقدْ كنْتُ أوشك على القولِ إن هذه كلها مزحة ولم يقعْ منها شيءٌ .. أنتِ تعرفين : إن إخفاء شيءٍ تحت أنوف الناس أهون من المجاهدة في إبعاده عن عيونِهم .. لو شاعَتْ هذه القصص فسيعتقد الناس بعد فترة أنها لهوٌ ... ولن يتوجب عليكم حينَها أن تخفوا كل آثارِكم عنّا ! "

- " هذا يبدو عقلانيًا .. أتدرين ماذا ؟ ربما أنتِ محقة ! .. آلاف الخالدين ممن عاشوا أكثر من كونكِ كلِّه مخطئون ، وأنتِ ابنة العشرين ربيعاً قد أدركْتِ ما لم يدركوه .. يا للذكاءِ! .. بعيداً عن الهزل :  كلانا يعرف ما سينتهي هذا الحوارُ إليه ! "

- " أرجوكِ يا ( حسناء ) ، ليس أمامهم ! "

- " بل أمامَهم . أنتِ من سرد هذه القصة عليهم ، وأنتِ من ستعاقبين على مرآهم ومسمعهم .. إن لمْ تكوني راغبةً في أن تسرق مؤخرتُكِ الأضواء بعد قليلٍ ، فربما كان عليكِ أن تظهري العزوفَ عن سرقتِها بلسانكِ قبل قليلٍ .. الجزاء من جنس العمل كما تقولون ! "

- " ( حسناء ) ! .. سأكون فتاةً مؤدبةً .. أرجوكِ ! "

- " للدلال وقته .. وللاعتراف بالخطأ وتقبّلِ العقابِ وقتُه .. الفتاة المؤدبة اللطيفة يفترض أن تستوعب هذا !

 بالمناسبة بما أنكِ حوَّلْتِ هذه القصة إلى عرضٍ حيٍّ بالصوت والصورة فربما يجدر بي أن أفعل ذلك بعقابَكِ أيضًا ..تنحي لي حتى أجلس مجلسَكِ ...  ها نحن أولاء :

مرحبًا يا رفاق ! .. اسمي ( حسناء ) .. هذا ليس اسمي بالطبع ، ولكني ارتضيْتُه كاسمٍ لي عندما سألَتْني هذه الغادة الفتانة عن اسمي عندما قابلَتْني لأول مرة ، كما تفعلون أنتم معشرَ الفانين عندما تقابلون شخصًا للمرة الأولى ... أسمعكم تقولون : "ما هو اسمُكِ إذاً ؟" .. ليس لي اسمٌ ، ولم أحْتَجْ يومًا إلى واحدٍ .. الأمر يشبه شمَّ الكلابِ لمؤخرات بعضها البعض .. هذا نوعٌ من سؤالِ بعضِها البعضَ عن أسمائها .. أنتم لا تحتاجونه كبشرٍ .. ونحن لا نحتاج إلى الأسماء كخالدين ..

على أية حالٍ : دعوا هذا الأمر لا يشغلْنا عن العرضِ الذي نحنُ مقبلون عليه ، هذه الحسناء المسماة بـ ( دعد ) على وشكِ أن تعاقبَ عقاباً مستحقًّا على أفعالها الشقية .. ما هي الأسئلة التي تخطر في أذهانكم الآن عن هذا الأمر ؛ ترى هل ترتدي ملابس رقيقة _ أو أيًا يكنِ اسمُها_ تحت ملابس نومها تلك ؟ .. هل هي مثارة جنسيًّا لأنها على وشكِ أن تتلقى عقوبة حميمةً من خالدة فائقة الحسن مثلي ؟ ... هل سأقسو عليها بسبب شناعة جرمِها أم سأرفق بها لأنني لو قسوْتُ عليها فقد أقضي عليها بالنظر إلى قوتي المفرطة ؟ .. هل ستتذكرون أنتم شيئًا من هذا كلِّه عند الفراغ منه ، أم أنني سأمحو كلَّ ذكرياتكم عنه بمجرد انتهائي من فعله ، تطبيقاً لإرشادات السفر الموازي ؟

دعوني أجبْ عن السؤالِ الأخيرِ هذا أوَّلاً : نعم ، سأمحو ذكرياتكم عن تلك القصة وعن هذا العرض الذي يوشك أن يبدأ بمجرد فراغي من عقابِها .. الأسئلة الأخرى ستجيب على نفسِها بعد قليلٍ ..

( دعد ) اخلعي ملابسك ... الآن ! .. حسنًا ، كما ترون فإنها كانت ترتدي ملابس النوم هذه .. ما الذي تسمونها ؟ .. نعم : بيجاما .. كانتْ ترتديها مباشرةً بدون ملابس رقيقة .. ما الذي تسمون الملابس الرقيقة به ؟ .. لقد ذكرْتُم عدداً كبيراً من الأسماء ، ربما كان تعدد التسميات ناشئًا عن خجلكم مما يشير إلى ملابسكم الرقيقة ! ... أنتم بالفعل جنسٌ متخلفٌ من المحصورين ..

 على أية حالٍ : إن احمرار وجنتي ( دعد ) دليلٌ واضحٌ على أننا نضغط على الأزرار الصحيحة حتى الآن .. يفترض بالعقاب أن يكون مخجلاً ، أليس كذلك يا ( دعد ) ؟ .. لا تكتفي بهزِّ رأسكِ ، إني أريدُ أن أسمعَ صوتكِ ! "

- " نعم ، يفترض بالعقاب أن يكون مخجلاً ! "

- " هذا جميلٌ ، ولماذا يفترض بالعقاب أن يكون مخجلاً ؟ "

- " لأنني كنْتُ فتاةً شقيّةً ، ويجب أنْ أحْرَمَ مِمَّا أحِبُّ - ومما أحبُّ ألّا أتعرض لما يخجلني ! "

- " أوووه .. أترون هذا الدلالَ ! .. هذا ما يجعل معاقبة شخصٍ شديدَ الرقة شديد الجمال شديد الغنج أمراً شديد الصعوبة ... ولكنْ ليس بالنسبة لأمثالي ؛ أنا محصّنة من هذه الألاعيب التي تنطلي على الفانين من أمثالكم ..

والآن ستخبرنا فتاتُنا الشقية بما توشك أن تتعرض له في تفصيلٍ مملٍّ .. هلمّ يا صغيرة !

- " سوف آتيكِ بفرشاة شعري وأسلّمها لكِ منكّسةَ الرأسِ .. وأطلبُ منكِ أن تعاقبيني لأنني أخلفْتُ وعدي لكِ بألا أخبرَ أحدًا بما جرى .. ثم سأستلقي في حضنكِ لتعاقبيني "

- " هذا هو التفصيل الممل ؟! على أية حالٍ دعيني أنا أعلق تعليقاً حيًّا مباشرًا على ما وصفْتِه إجمالاً ..

اذهبي لإحضار فرشاة شعركِ ..

كما ترون يا رفاق .. فإنها تتحرك حركة محدودةً للغاية خوفاً من أن يظهر المزيدُ مما تخفيه من جسمها لو مشَتْ مِشيتَها المعتادة .. لا يزال الاحمرار في وجنتيها .. إنها تتمنى لو زلْتُم من الصورة حتى يكون الأمرُ بيني وبينها وحدَنا .. ولم يكنْ هذا ليقضي على الخجل ولكنه كان ليذهب بأكثره .. كما ترون فقد وصلَتْ أخيراً إليّ وهي تحملُ فرشاةَ شعرِها .. ولكنْ هل أنا راضيةٌ عن درجة احمرار خديها بعدُ ؟ لا أعتقد .. لهذا دعونا نزدْها خجلاً على خجلِها ..

( دعد ) تعالي هنا ، واجلسي في حجري ، فإني أرِيدُ أنْ أرِيَ جمهورَكِ المعجبين بقصتك جانبًا آخرَ منكِ لم يروه من قبلِ ..

كفي عن التوسل يا صغيرة ، أنا محصنة ضد توسلاتِكِ .. الآن ! وإلا فإن هذا العرضَ سيزداد طولاً ...

نعمْ ، هكذا ، أحيطي عنقي بيديك الرخصتين وأحيطي خصري برجليك البضتين ، ولا تحركي أيًّا من أطرافكِ الأربعة قدر أنملة حتى آذَنَ لكِ ..

الآن كما ترون يا رفاق .. فهذا الردفان الممتلئان الناضجان المشبعان بماء الشباب يغطيان الكثيرَ مما يجب أن ينكشف .. وإذا قبضنا على كلِّ ردفٍ منهما بيد كما أفعل أنا الآن ثم فرجنا ما بينهما ... نعم ، الآن ينكشف المستورَ كلَّه .. أَأْ أَأْ ! .. أين أمرتُكِ أن تضعي يديكِ ؟ "

- " محيطَتَينِ بعنقكِ ..ولكنْ :  أرجوكِ ، ( حسناء) !  أرجوكِ ، أرجوكِ .. "

- " الخيارُ لكِ ، في كلتا الحالتين سأفعل ما يحلو لي ، ولكنْ إن لم تعيدي يدكِ هذه لمكانها حول عنقي فسأزيدُ في عقابكِ بالإضافة إلى فعلِ ما تحاولين منعَه ، فما الفائدة ؟ .. هكذا فلْيكُنْ !.. فتاة مطيعة !..

 بالطبع فبعضكم يا رفاق قد لا يعرف بالضبط التوصيف التشريحي الدقيق للجهاز التناسلي الأنثوي .. هذه فرصة ممتازة ليقوم أحدُ المصممين بشرح المنتج على الجمهور المهتم باستخدامه .. كما أنَّ هذا المنتج بالذات من أفضل النوعيات التي صنعناها وأكثرها جمالاً وفتنةً .. مما يزيد الشرح وضوحًا ..

هذا الشيءُ الذي أمسكُ بأطرافه الآن يسمى ... "

- " (مجرة أخرى بعيدة) !! "

- " أوه ، هل تجاوزْتُ ؟ أنا آسفة .. "

- " لا ، لا يوجد تجاوزٌ على الإطلاق ، فقط أنا لا أرغب في اطّلاع هؤلاء على ما يحدث . أما ما كنْتِ تفعلينه فيلذّ لي .. بشرط أن نكون وحدَنا .. هل لي أن أستعيد زمام الحكي .. شكراً !

نعم . كما خمَّنْتُم ؛هذه هي كلمة أماني : ( مجرة أخرى بعيدة )  .. لأنه حتى عندما يكون الجنس بين خالدة وفانية فلا بد من كلمة أمانٍ ... كفي عن الابتسام يا ( حسناء ) ! .. بإمكانك أن تعاقبني أيضاً على هذا الأمْرِ  الأخيرِ الموجَّهِ من الأدنى إلى الأعلى ، ولكنْ فيما بعد . وحدَنا ! ... ولكِنِ الآنَ دعيني أوجّه بعض الكلمات الوداعيّة الأخيرة لـ" جمهوري " هذا : لو لمْ تكن ( حسناءُ ) واقفةً إلى جواري ، وفرشاة شعري في يدها ، لأسمعتكم كلَّ ما أفكر فيه ، ولكنْ لنقلْ إنني أتمنى أن يكون هذا آخر عهدي بكم !  ماذا تقولون ؟ ... نعم . هذه الليلة لن تنتهي قريبًا .. ونعم . عندما تفعل فعلى الأغلب سأكون غارقةً في عواطفي ودموعي وأشياء أخرى ليست عواطفي ولا دموعي ! ولكن أتدرون ماذا ؛ إنكم لن تشاهدوا شيئًا من ذلك كله رأي العين ولا وصفًا .. والآن . هلَّا تكرمَتْ أميرتي الخالدة ومحَتْ ذكرياتِ هؤلاء " المحصورين" حتى نتفرغ للمهمّ ... ماذا تقولون الآن ؟ .. نعم  . أنا متشوقة لما يوشك أن يحدث بعد قليلٍ . ونعم ، أنا مستوعبة أن بإمكانكم إدراكَ إرهاصاتِ ذلك بارزةً على جسدي المكشوفِ اللذيذِ الطَّعْمِ ... ثكلتكم أمهاتكم ، من أين تأتون بهذه الصفات المرذولة ؟ كأنكم تصفون فاكهةً استوائيةً !

 .. أتدرون ماذا ؟ هذه هي ! .. لأول مرةٍ من شهورٍ أشعر بالندم على أنني كنْتُ السببَ في عدم فناء الجنس البشريّ .. هذه الأشكال لا تستحق الحياةَ .. لا مزيد من الأسئلة ولا التعليقات الجنسية السخيفة .. ذكرياتكم عني وعما رويْتُه لكم قبل قليلٍ ستمحى في هذه اللحظة .. وكم كنْتُ أتمنى لو كنْتُ تركْتُ بقية حيواتكم ممحيّةً كذلك ... وحينها كان يومُ الخميس الحادي والعشرين من شهر يوليو ليكون نهاية القصة ! .. قصّة البشرية كلها !

---------------- ( تــمَّـتْ) ----------------