الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

قصة : جنازةُ محاربٍ ، وماضِيْ مَلِكٍ ، وأمانيُّ أميرٍ ( م / م )


قصة : جنازةُ محاربٍ ، وماضِيْ مَلِكٍ ، وأمانيُّ أميرٍ  ( م / م )


هذه القصة تقعُ بعد وقوعِ أحداثِ قصةٍ سابقةٍ بعنوانِ ( ابن ( المكب ) والقصر الملكي ) فيرجى مراجعةُ تلك أوَّلًا ، وهذا رابطُها :-


http://tamerfaryak.blogspot.com/2016/07/blog-post_10.html




- بضعة تنويهات :


تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف ، فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد نوهنا به .


تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين ذكورٍ ؛ واثنان من هؤلاء تجمعهم صلة قرابة من الدرجة الأولى فيما يُشار إليه بالإنجليزية بـ Incest ، وإن يكنْ خيالاً .. فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك ، فقد نوهنا به .


تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يقترب من أن يكون ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ

Erotic Spanking

فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .


تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه ، ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه ، وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة ، وأي حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف ، وليس حثاً على الحقيقة ، ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يسأل المؤلف عن ذلك .

فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به .



- القصة :


( 1 )


الوجومُ يخيِّم على القصرِ الملكيّ .. والأعلامُ الملكيّة الذهبية والزرقاء قد نُكِّسَتْ حتى لمسَتْ ترابَ وبلاطَ القصرِ ... أصواتُ همهماتٍ تَصِلُ إلى أذنِ الملك الحزين المتكوّمُ على عرشه .. ولكنه لا يعيرُها اهتماماً .. بينما يحدِّقُ في الفراغِ كأنّه يمنحُ الفرصةَ لعقلِه أن ينشغلَ بالماضي ولا يغوصَ في التفاصيلِ المريرة للحاضرِ المفجع؛ الكثيرُ من الذكرياتِ السعيدة قد اقتصر الماضي على امتلاكِها ، فلنفزَعْ إليه .. ويطيع العقلُ سيَّدَه وملِكَه .. فيبدأ في الدوران كشريطٍ سينيمائي ليعرض صور الأيام الخوالي على الملك المفجوع ..


***

- " حارسًا شخصيًا ، يا سمو الأمير ؟ "


- " نعم ، يا جلالة الملك .. إذا تكرَّمَ جلالتُكم "


كان هذا حوارًا يدور بين ابن وأبيه ، وليس في المكان غيرهما .. ويعلم كلا الطرفَينِ أنَّ الدافع من وراء الحوارِ يتعلق بأمور الجنس .. ومع ذلك فلا بد من (سمو) ولا بد من (جلالة) !


كان الملك قد أخبره اللواءُ (شكري)  بتفاصيل الترتيبات الجديدة التي اتخذها فيما يتعلق بـ " مشكلة ولي العهد " كما كان الملك يحب أن يسميها .. وبدا له الحل مقبولًا ، ما دام شكري هو من يؤكد على ولاء ذلك الضابط صغير السن وأنه ثقة  ، وشكري ثقة ، وثقة الثقة ثقة .. ولكنّ الحارس الشخصي هو منصبٌ خَطِرٌ ..


- " إن الحارس الشخصي منصب خطر ، فهو سيلازمك طيلة الوقت .. وبالنظر إلى .. إمم .. طبيعة العلاقة بينكما .. وبالنظر إلى عدم تعوّد ذلك الضابط على المراسم الملكية  .. وبالنظر إلى كون افتضاحِ " طبيعةِ " علاقتِكما خطرًا على المملكة كلها .. بالنظر إلى هذا كلِّه .. فربّما يكون من الأنسب أن يبقى الضابط في منصبه ؛ أحدَ حراس القصر "


بدا الحزنُ على وجه وليّ العهدِ ، فَرَقّ له أبوه ..


كان هناك دافعٌ آخرُ غيرَ حنان الأب يدفع الملكَ إلى إجابة ابنِه إلى طلبِه ؛ منذ جاء هذا الضابط إلى القصر وقد صارَ الأميرُ متفرِّغًا تماماً لواجباته الأميرية .. صار مشروعَ ملكٍ ناجحٍ ، بعدما كان تلميعُه أمامَ الرأي العامّ يحتاج جهودًا مضنيةً من مسئول القصر الملكي لشئون العلاقات العامة .. كان هذا تطوّرًا إيجابيًّا مهمًّا .. ولا يرغب الملك في المقامرة به .. ولذا فقد أضاف :


- " على أيّة حالٍ ، فمعظم تلك المخاوف من الممكن إزالتُها إذا خضع الضابط لدوراتٍ مكثفة على يدي مسئولي التشريفات الملكية ، ومعلمي الآداب الملكية .. ولكنَّ هذا سيستغرق منه بعضَ الوقتِ .. ثمّ بعدَ ذلك بإمكانِه أن يكون حارسَك الشخصيّ "


بدا وقعُ الكلمةِ جنسيًّا حتى على أذن الملك نفسِه .. فحاول طرد الصورة الذهنية التي تصاحبَتْ معها سريعًا .. وسرّه أنّ أساريرَ وليِّ العهد قد تهللَتْ لهذا النبأ .. ثم عاد عقلُه يربط بين تهلل أسارير ابنِه وبين سببِها الحقيقيّ ، فعادَتِ الصورةُ الذهنيّة تغزو عقلَه .. ووجد نفسَه مدفوعًا ليسأل ابنَه :


- " هل لي أن أسأل عمَّا يحدث بالضبـ .. "


- " لا ! .. أعني .. جلالتَكم .. أنا آسف على مقاطعةِ جلالتَكم .. ولكنْ .. أعني .. ربما من الأفضلِ أنْ .. "


- - " صدقْتَ ، ربما من الأفضلِ أن يبقى الأمرُ سرًّا حتى عنّي أنا ، هل هناك أحدٌ غيركما يعرف بالتفاصيل ؟ "


- " لا أحدَ باستثناء الأميرة ( ليلى )  "


- " إن الأميرةَ ( ليلى ) ثقة .. لا بأسَ ...  بإمكانك الانصرافَ الآن يا سموَّ الأميرِ "


فقبَّل الأميرُ الأرضَ بين يدي أبيه ، وانصرف ..


وفي تلك الليلة عندما اجتمع الأميرُ بـ ( سيف ) في مخدعهما الملكيّ - وقد جلس هذا في حِجْرِ ذاك عارَيَيْنِ -  .. أبلغه بالأنباء الجديدة ، وكانَ سردُ الأميرِ متقطّعًا بسبب انشغال فمه بين كل كلمة والأخرى بشيءٍ آخرَ غير الكلام .. وعندما أتمّ الخبرَ ، قال له ( سيف ) :


- " المعذرة ، ما الذي كنْتَ تقوله ؟ لقد كنْتُ منشغلاً بشيءٍ آخرَ .. "


ضحك الأمير المراهق وقبّل حبيبَه قبلةً اخيرةً ، ثم قال في سردٍ غير متقطع :


- " لقد وافق أبي على أن تكون حارسي الشخصي بشرط أنْ تخضع لدورات مكثفة في المراسم الملكية وآداب الملوك .. وأشياء أخرى سخيفة .. "


- " إنها أشياء أخرى سخيفة بالنسبة لك ، ولكني أكره التقيد بهذه البلاهات .. إنّني أشعر بالاختناق كلما ارتديْتُ هذا الزيَّ الموحد الذي أُجْبَرُ على ارتدائه ، فما بالك بالإتيكيتات الملكية ! "


- " إن هذه الروح المتمردة هي أكثر ما يعجبني فيك .. ولكنْ إنْ أردْتَ أن نبقى معًا طيلةَ اليومِ .. ولا تكونُ زياراتٌ متباعدة .. فهذا هو السبيل "


كان الضابط قد اعتاد أن يحصل على ما يريده بقوّة قبضتِه وقوّةِ مُدْيتِه وقوّة مسدسِه.. ولكنْ هذه المرة لا سبيلَ لما يريده إلا بالإذعان والممالأة .. كان هذا شعورًا ممضًّا :


- " هناك بديلٌ آخرُ : أنْ أخطفَك من هذا القصرِ ، ونعيش وحدَنا بلا قيود ولا مراسم ملكية ! "


- " لم يمْضِ عليك سوى شهرين .. وقد بدأتَ بالفعل التخطيطَ لخطفِ وليِّ العهدِ ! .. ولكنْ بعيدًا عن الهزلِ : الأمرُ ليس بهذه الصعوبة ، أنت لا تُعَدُّ لتكون مستقبِلاً ملكيًّا للوفود الأجنبية .. كلّ ما في الأمر أن تعرف كيف تنحني ، وكيف تخاطب أصحاب الرتب المختلفة ، وأشياء من هذا القبيلِ..ولكنَّ الأهم من هذا وذاك هو أن تعرف كيف تُبْقِي يديك لنفسكَ عندما لا نكون وحدَنا ! "


كانَتِ اليدان تتجولان صعودًا وسفلاً وقبْضًا ومسْحًا على كلِّ ما تمران به من جسد الأميرِ الذي يحاول جاهدًا التركيزَ فيما يقوله ..


- " لنفرِضْ جدلًا أنَّ هذا " التهذيب ، والتمدن " لم يأتِ بنتيجة ، وأنني فعلْتُ بك أمامَ الناسِ ما أفعله بك الآن ... ما الذي سيحدث ؟ "


- " سيضطرون لقتلِك ، والقولِ أنَّ ما فعلْتَه _ مما رآه الناس _ لمْ يكنْ بإرادتي ؛ " لأنّ وليَّ العهدِ لا يشعر بهكذا مشاعرَ مع من يماثله في الجنس ويقل عنه في الرتبة " .. وتموت أنت في سبيل تلميع صورتي ! "


- " هذا خطِرٌ يا ( حسّان ) .. قد يموتُ حرسُ القصرِ الملكيّ كلُّهم وهم يحاولون صنْعَ ما ذكرْتَه قبلَ قليلٍ  "


ضحك الأميرُ على غرورِ الضابطِ ، ثم قال :


- " حتى لو كان فيهم ( شكري ) ؟ "


نظرَ ( سيف ) في وجه أميرِه في تحدٍّ ، ثمّ قال :


- " هذا سيجعل الصراع متكافئًا إلى حدٍّ ما ، ولكني لا أزال أعتقد أنني سأنتصر .. على أيّةِ حالٍ ، يُفْترَض بدروس الإتيكيت هذه أنْ تحول دون وقوع تلك المعركة من قبل أن تبدأ ..أليس كذلك ؟  "


- " بالضبط .. وهذا أفضلُ للجميع .. ستعاملني في الأماكن العامة على أنني أنا الأمير رفيع القدر وأنت مجرد حارس شخصي .. فإذا أصبَحْنا وحدَنا صرْنا متساويين ! "


- " متساويان ؟ .. ألا يُفْترَضُ _ إحقاقًا لمبدأ المعاملة بالمثل _ أن تكون أنت الأعلى أمام الناس ، وأنا الأعلى في خلوتِنا ؟ "

- " هل ترى في نفسِك المؤهلات الكافية للمطالبة بهذا الوضع المعكوس ؟! "


كانَتِ الكلماتُ تقطرُ عسلًا .. والعينان تشعان رغبةً وعبثًا .. و( سيف ) ينظر إلى أميرِه الفتّان وهو يتظاهر بالجلد والبأس .. والمنظر يخلبُ لبَّه ..


- " وضعٌ معكوسٌ ؟ "


- " إممهم .. أنا الأميرُ فلا تنسَ ذلك ! "


- " بالطبع .. وكونُكَ أميرًا ، وملكًا فيما بعدُ .. يجعل من الغريبِ أنْ تنام  مستلقيًا على بطنِكَ _ لأسباب كثيرة _هذه الليلة .. أليس كذلك ؟ "


- " بالضبط ؛ إنني أحاول تصوّرَ الفكرةِ مجرَّدَ تصوّرٍ .. فلا أستطيع "


الابتسامتان تزدادان اتساعًا .. بانتظارِ من سيفقد قدرتَه على التظاهر بالجدِّ أوّلًا ؛ فيستغرقَ في الضحكِ ... وكان ( سيف ) يرغب في الفوزِ :


- " لذا لنفرضْ أنَّ هذين .. المعذرة : ما اسمُ هذين مرّةً أخرى ؟ "


- " هذان اللذان تقبضُ عليهما بيديك الآن ؟ "


- " نعم . "


- " أعتقد أنّ البعْضَ قد يدّعي أنهما ردفاي ، ولكنَّ هذه دعوى غريبة ، فمن أين لحارسٍ في القصرِ أن يقبض على رِدفَيْ وليّ العهد ؟ "


- " دعوى غريبة بالفعلِ .. ولكنْ لنفْترَضْ أنّها حقيقية .. فحينَها .. لو زحزَحْتُهما بقبضتيّ حتى انفرجَا ، ودسَسْتُ إصبَعًا فيما كشفَه انفراجُهما .. كما أفعل الآن .. فأين كان ليكون هذا الإصبع ؟ "


كان من الصعبِ التركيزُ الآن .. ولكنّ الأميرَ جاهد ليمنع آهتَه الجنسية :


- " أنا .. لا أجيد .. التشريح ، ولكني أعتقد .. أنه _ وفقًا لوصْفِكَ _ .. سيصبح ذلك الإصـ .. آآه "


- " المعذرة ، ما الذي كانه ذاك ؟ "


- " كفّ عن التساخفِ ، وواصلْ ما بدأتَه ! "


- " للأسفِ أنا لا أستطيع ذلك .. حتى تسمّيَ الأشياءَ بأسمائها ! "


- " هذا استغلالٌ دنيءٌ "


عادَ ( سيف ) ليواصلَ ما بدأه ، ثم توقف فجأةً ، فكاد ( حسان ) يجنّ :


- " إن لمْ تستمرَّ الآن .. فسآمرُ بـ .. بــ .. "


- " بماذا يا أميري المدلَّل ؟ بضرب عنقي ؟ ولكنّ هذا سينُهِي قدرتَي على تحريك أصابعي ، وتحريك ما هو أكبر من أصابعي .. وأعتقد أنَّ هذا هو ما ترغبُ فيه .. أليس كذلك ؟ .. فضربُ عنقي ليس حلًّا ! "


- " أرجوووك .. "


- " هذا أليقُ .. ترجوني ماذا ؟ "


إن كان للعينان لغةً .. فقد تكلمَتْ عينا ( حسان ) شِعْرًا .. شعرَ رغبةٍ ومجونٍ وتوسّلٍ .. ولكنَّ ( سيف ) كان مصرًّا على أن تصله الرسالة بلغة اللسان لا بلغة العينين ..


- " ترجوني ماذا ؟ "


- " أ.. أ.. أنْ تُدْخِلَه فيه "


ثم غطَّتِ اليدان الوجهَ خجلاً ..


- " هذا غير كافٍ يا صغيري .. الضمائرُ لا تُحْسَبُ .. أنا أريد أسماءً بلا كناياتٍ حتى ! "


كان الخدّان يزدادان احمراراً ، ومع ذلك يأبى اللسانُ أن ينطق .. فهزّ ( سيف ) رأسَه في يأسٍ ممزوجٍ بالاستمتاع بالموقف :


- " الغريبُ أنني أفعل بك ذلك بشكلٍ شبهِ يوميٍّ .. ومع ذلك فوصفُ ما حدث بالفعلِ - هو ما يُخْجِلُكَ أكثرَ من الفعلِ ذاتِه .. إنَّ الإنسانَ كائنٌ غريبٌ بالفعلِ .. أتدري ماذا ؟ سنكسرُ حاجزَ الخجلِ من التسمياتِ هذا .. انهضْ .. ثمَّ تمدَّدْ لي على السريرِ "


وكأنَّ الأمْرَ باللسان لمْ يكفِ ، فقد بدأتْ راحةُ اليدِ تصفع الردفين الشهيين صفعاتٍ قصيراتٍ كالتربيتِ ، كأنّها تحثّ صاحبَ الردفين على النهوض .. فنهض ثم استلقى على السرير كما أُمِرَ ..


- " الجهةَ الأخرى يا عزيزي ! "


تقلّبَ الأميرُ محترقُ الخدَّينِ خجلاً .. حتى استلقى على بطنه .. وأخذ ( سيفٌ ) وقتَه .. ثم طغى على أوقاتِ الناسِ فأخذها أيضًا .. وكان المنظرُ الذي يلتهمه بعينيه التهاماً يجيزُ له هذا الطغيانَ ..

واو ! .. هذا منظرٌ يُرى ولا يُوصَفُ .. ولكنْ من بينِ الأعضاءِ المتناسقات العذباتِ كان الردفان الرجراجان ألوطَ بالقلْبِ مما عداهما ...


وأراد ابنُ ( المكبِّ) أنْ يزيدَ خجلَ ابنِ الملكِ ، فقال :


- " أتعرف تلك النكتةَ عن الرجل الذي فتح ثلاجتَه فوجد طبقًا من الجيلي يهتزّ ، فطَمْأنَه أنّه لن يأكلَه ! "


كان الخدَّان قد فاق احمرارُهما لونَ الدمِ ، فأضافَ ابنُ ( المكبِّ ) :


- " للأسف ، ليس بوسعي تكرار النكتة بحذافيرِها ، فأنا سأبدأ بالتهام الجيلي ! "


وسار كالمنوَّمِ مغناطيسيًّا صوبَ " الجيلي " ، ثم تذكَّر شيئًا :


- " آه .. فوبيا التسميات التي نريد التغلبَ عليها .. كاد المُسمّى يلهيني عنها .. فلنبدأ .. "


- " لا ، أرجوك .. "


وقعَتِ الصفعةُ على الردفِ الأيمن ، فتوجَّع لها الأميرُ وتلذّذ بها في الوقتِ ذاته ، وحكى صوتَه قصّة هذا المزيج ..


- " أيُّ تمنعٍ أو تلكؤٍ في الإجابات ، وستحلقُ بهذه الصفعةِ أخواتٌ لها .. مفهوم ؟ "


- " نعم "


وإن لمْ يدرِ ( سيف ) بالضبط : أهذا تهديدٌ أم حثٌّ ؟ .. ولكنْ من يهتم ؟ .. كانَ الدرْسُ على وشكِ أنْ يبدأ .. والمدرس والطالبُ والمادة المشروحة كلهم على السريرِ .. ففيم الانتظار؟


- " ما اسمُ هذا الشيءِ الذي أمسكُ به ؟ "


- " أأ .. أأ ... "


صفعةٌ ..


ذلك التأوّهُ الذي يحكي قصَّتَيْنِ ..


- " نفس السؤال السابق مرةً أخرى ؟ "


كادَتِ الصفعةُ تهوي ، قبلَ أن ينطق ( حسان ) بصوتٍ يتسرَّبُ بصعوبةٍ من وراء حاجز الخجل :


- " عضوي التناسلي  "


صفعة ..


- " عضوك التناسلي ؟ ما هذا؟  درس أحياء ؟ ثم إنّ الأعضاء التناسلية كثيرة .. أنا أريد اسماً لهذا الشيءِ بالذات ! "


- " أرجووك !  قلْه أنتَ وسأكرره أنا .. "


صفعةُ ..


- " لماذا ؟ ألا تعرف أنتَ اسمَه حتى أخبرَكَ به ؟! "


كان الأميرُ يحاول أن يكون مطيعًا ، ولكنّ لسانَه قد صارَتْ له حياتُه الخاصة ، وهو يأبى ويتأبى .. وعلى الرغمِ منه انفجر :


- " لا أستطيع ، صدِّقْني .. أنا لا أستطيع ! "


كان الأميرُ يحاولُ أن يُقْنِعَ حبيبَه ، دون أن يبدو وكأنّه يتحامقُ عليه ، فأرادَ حبيبُه طمأنتَه :


- " ششش .. لا بأسَ .. لقدْ كنْتُ أظنّك تتمنّع .. نحنُ بحاجةٍ إلى كلمة سرية تخبرني بها إذا بلغْتَ نهايتَكَ .. أنا لا أريد أن آمرَك بما لا تستطيعه  "


- " هذه فكرة لطيفة .. أنت لطيف ! "


- " إن أخرَ ما أوصفُ به هو اللطفُ يا صغيري .. ولكني أحبك .. هذه أستطيع أنْ أقولَها - جِدًّا بلا تصنع .. "


- " هل صرَّحْتَ بحبِّكَ لي قبل قليلٍ ، أم أنني أخطأتُ السمعَ ؟ "


كان هذا دورَ ابنِ ( المكبّ ) ليخجلَ .. والتفتَ الأميرُ برأسِه وراءَه ليرى ما الذي أعاق حبيبَه عن الإجابة ، فرأى حرجَه وحياءَه :


- " أوه .. أهذا ما يخجلكَ ؟ .. إن الإنسانَ كائنٌ غريبٌ بالفعلِ ..  أنا أفضّلُ الخجلَ بسبب المصطلحات الجنسية عن أنْ أخجلَ بسبب إعلانِ مشاعري .. "


وكانَ هذا أيضًا دورَ ابن ( المكبّ ) ليفكّرَ فيما قاله الأميرُ ، وعلى الرغمِ منه صرَّح بصوتٍ عالٍ فيما يدورُ في ذهنِه :


- " لقد قُتِلَ أبواي وأنا في السادسة ! هذا يجعلُ إعلانَ المشاعرِ عسيراً نوعاً ما ! "


كان الصوتُ فيه رنّةُ بكاءٍ ! ابن ( المكبِّ ) يبكي ؟! ..  وعندما أسرعَ ( حسان ) في نهضتِه من السريرِ ، ليعانقَ حبيبَه ، كانَ المحاربُ متصلّبَ المشاعر فد انخرط في البكاء فعلاً ... لأول مرةٍ منذ اثني عشرَ عاماً .. شيءٌ ما خلال هذين الشهرين قد أعيدَ خلقُه في نفسِ الحارس الملكيّ الذي تحوّل إلى رجلٍ رغم أنفِه في ريعان الطفولة .. والآن يعود له شيءٌ من طفولتِه وهو في ريعان الشباب ..


كانَتْ هناك اتفاقات مسبقة ، وديناميكية سيطرة وخضوع ، ومعاقِبٌ ومعاقَبٌ ، وأعلى وأدنى ، وآتٍ ومأتيٌّ .. ولكنّ كلَّ هذا قد ألقِيَ به في سلة المهملاتِ .. وصارَ بكاءُ الأعلى في صدرِ الأدنى نحيبًا.. بينما هو يواسيه ويخفف عنه ..


وبعد دموعٍ كثيرةٍ ، كان حرجُ الموقفِ قد بدأ يحتلّ المكانةَ الأولى في عقل ( سيف ) ، فقال وهو يستعيدُ هيئتَه السابقة _ وكأنه يلوم نفسَه_  :


- " يُفْتَرَضُ أنني محصًّنٌ من الدموع ! "


- " ويُفْترَضُ أنَّنِي _كملكٍ قادمٍ_ محصَّنٌ من المشاعرِ ! .. الناسَ وما يفرضونه علينا !  .. ولكنْ ليس هناك ناسٌ هنا .. لا يوجد غيري .. وأنا أحبك .. ليس الصورة المفترضة ، بل ما أنت عليه ... فافعلْ ما تشاء ! "


- " إلى الأبد ؟ "


- " إلى الأبد ! "



وعلى الرغمِ من أنّ ما فعله الشابّان بعدَها لم يختلفْ كثيراً من حيث الماهية عما فعلاه في ليالٍ كثيرةٍ سابقةٍ ، إلا أن سَبْقَه بهذه التصريحات وهذه الاعترافات قد جعله كأنه من جنسٍ آخرَ .. لمْ تعدْ هناك رغبةٌ زائفةٌ في إثارة إعجاب الطرف الآخر .. لا خوفَ مِنْ قبولٍ أو رفضٍ يستدعي منهما إخفاءَ شيءٍ أو التظاهرَ بشيءٍ ... كانَ الأمرُ قد قضِيَ في تلك الليلة : إلى الأبد !


وقد كانَ !


***


وقد كان !


لقد أتى الأبدُ وصدَّق على صِدْقِهما ؛ فالآن ماذا ؟


كانَتِ الدموعُ على وشكِ أن تنهمرَ من مقلتي الملك محطم الفؤادِ ، فخاف مسئول التشريفات الملكية أن يدخلَ الملكُ في نوبةٍ جديدةٍ من البكاءِ ، فعاجلَه :


- " جلالتَكم ، لقد حرصْنا على الالتزام بأوامرِ جلالتِكم ، وترك جلالتِكم بدون مضايقاتٍ ما أمكنَ .. ولكنْ .. جلالتَكم .. المعزّون على وشكِ الوصولِ ، وملابس جلالتكم ... إلى حدٍّ ما .. بحاجةٍ إلى انتباه جلالتكم إلى طبيعتِها ! "


والمعنى المستتر خلف كل هذا التملق : غيِّرْ ملابسَكَ ، حتى تقابل الناس !


 كان الملكُ قد ألغى ما أمكنَه إلغاؤه من طقوس ورسميَّاتٍ ليتفرغ لحزنِه .. ولكنَّ العزاءَ الرسمي لم يكنْ من الملغيِّاتِ ... لقد أراد الملك ( حسان ) أن يخلّد ذكرى حبيبِه الذي لا تزال علاقتُه به مجهولةً بالنسبة للشعبِ .. على الأقلّ سيعد عزاءً ملكيًّا رسميًّا له ، وسيدفنه في مقابر الملوك .. على الرغم من اعتراض الأسرة الملكية ، ومن صخب مسئولي التشريفات عندما أخبرهم بقرارِه ..ولكنه الملك .. والكلمة الأخيرة كلمتُه !


***


اصطفَّ الأمراءُ وكبارُ رجالِ الدولة ، ورجَّتْ جنباتِ القصرِ الألحانُ الجنائزية الملكية .. وقام المؤبِّنُ الملكيّ ليتلو خصال الفقيد :


-  " جلالةَ الملكِ ، جلالةَ الملكةِ ، صاحبَ السموِّ وليَّ العهدِ ، أصحابَ السموّ الأمراءَ ، الحضورَ الكريمَ ...

اليوم نجتمعُ لنذرف الدموعَ ونلفظَ الآهاتِ لفقْدِ عميدِ الدولة ، وفارسِ الحربِ والسلمِ ، وحارسِ مليكنا المفدّى طيلة أربعين سنةً ، اللواء : ( سيف كريم ) ... "


كانَ صوتُ المؤبِّنِ يبعد شيئًا فشيئًا في ذهن الملكة ( مليحة ) ، بينما هي تنظرُ إلى مدافَعَةِ زوجِها لدموعِه ، ويستعيد ذهْنُها ذكرى زواجِها من ملكِها ..


***

- " ابْنَ ملكِ (العامرة) ، يا سموَّ الأميرة ؟ "


- " نعم ، يا جلالة الملكِ .. إذا تكرَّمَ جلالتُكم "


كانتْ ( مليحة ) لا تصدِّقُ حسْنَ حظِّها بينما هي تخوض هذا الحوارَ مع أبيها ..


 فعندما تقدَّم لها ابنُ عمِّها بعد بلوغِها الثامنة عشرة بأيامٍ ، كادَتْ تموتُ غمًّا .. وفاتَحَتْ ( ميرفت ) في الأمرِ ، فهدَّأَتْ ( ميرفت ) من روعِها ..وأخبرَتْها أنَّ المشكلة ليسَتْ في تقدم ابنِ عمِّها لها .. فأبوها يكره أخاه على أية حالٍ ، ويتمنى لو تقدم لابنتِه أميرٌ آخرُ .. المشكلة هي في البحث عن هذا الأمير الآخر .. ولكنْ ( مليحة ) لمْ تفْطِنْ لمراد " وصيفتِها " الوفيّة .. وسألَتْها :


- " أميرٌ آخرُ ؟ وما الفارق ؟ "


- " الفارق يا أميرتي ؛ أن ما يدعوكِ لرفضِ الزواج بابن عمكِ ، هو ما سيدعو ذلك الأميرَ الآخرَ إلى رفضِ الزواجِ بابنة عمه أيضًا "


- " لم أفهم .. "


- " أي أنه هو الآخر يشعر تجاه الإناث بما تشعرين أنتِ به تجاه الذكور .. "


- " آآه .. هذا سيكون رائعًا حقًّا .. ولكنْ من أين لنا أن نجدَ أميرًا كهذا ؟ "


كانتْ هذه هي المسألة .. ولكنَّ البلاطَاتِ الملكيّة _مهما حرص أصحابُها _ تنتقل فيها الأسرارُ بسهولةٍ ... وسرعان ما كانتْ ( مليحة ) على رادار ( حسان ) ، وكان ( حسان ) على رادار ( مليحة ) ... واتفق الأمير والأميرة على الزواج الاسمِيّ ليتخلّصا من القيل والقال ..


وهي الآن تحاول إقناعَ أبيها ، وتعلم أنه لن يرفض ..


- " ولكنْ لماذا الزواجُ من أميرٍ من بلاد بعيدة ، وقد تقدم لكِ ابنُ عمِّكِ ؟ "


- " إن ابنَ عمي _مع كفاءتِه التي لا ينكرها أحدٌ_ ليس أخي ! "


- " المعذرة ؟ "


- " إن وليَّ العهدِ هو أخي ، وليس ابنَ عمي .. بينما أميرُ البلاد البعيدة ذاك - ( هسّان ) هو وليُّ عهْدٍ .. وأنا أرغبُ أن أصبحَ ملكةً في يومٍ من الأيامِ "


كانتْ هذه هي العلة الساذجة - من وجهة نظر ( مليحة ) - التي لقَّنَتْها إياها وصيفتُها - التي هي في الحقيقة حبيبَتُها- ( ميرفت ) .. ولكنّ أباها بدا مسرورًا بما قالَتْه ، وقال :


- " طموحٌ مشروعٌ .. طموحٌ مشروعٌ .. تعجبني طريقة تفكيركِ .. ولكنَّ المشكلة أنَّ تلك البلادَ بعيدةٌ ، وجيشَها قويٌّ ، فإذا أساءَ إليكِ ذلك الأميرُ فلن أستطيعَ غزوَ بلادِهم لتأديبِهم .. "


- " جلالتَكم .. لا يوجد غزوٌ وتأديبٌ في زواجي .. إنني أستطيع أنْ أغزو قلْبَ زوجي بلا جيوشٍ .. لا توجد مشكلةٌ هنا ! "


كان وقعَ كلمةِ ( زوجي ) في حد ذاتِه مقيتًا في أذنِها ، ولكنْ للضرورةِ أحكامٌ  ، وازدادَتْ ابتسامةُ أبيها اتساعًا .. وقَبِلَ ..


وفي قصْرِه الملكيّ كان الأمرُ أكثرَ تعقيدًا على ( حسان ) فوالدُه يدري طبيعة "المشكلة" ، وإن كان الأبُ الذي لا يزالُ يمنّي نفسَه أن تكون "مشكلة" عارضة لا دائمةً ، قد تصوَّر أنَّ ابنَه ربما يكون _ على الأقل _ قد وسَّع دائرةَ اهتماماتِه ، إن لم يكنْ نقلَها بالكلية من هذا الجنس إلى ذاك ... ومِنْ ثمَّ  فقد قَبِلَ .. وسمّوا ميقاتاً للزواج..


وعندما حلَّ الميقاتُ جلسَتِ الأميرة في زينتِها إلى جوار ولي العهدِ في بهرجه ، وإلى جوارِ وليّ العهد وقف حارسُه الشخصيّ متأنِّقًا بحكم المناسبة ، وإلى جوار الأميرة وقفَتْ خادمتُها التي لا تقل عن مخدومتها جمالاً وفتنةً .. كان المنظر خالبًا للألباب .. أربعتُهم كملوا جمالاً وحسْناً ..


وقالَتْ إحدى وصيفاتِ القصرِ لصاحبتِها : تصوّري لو كان حارس وليِّ عهدِنا هو الآخرُ زوجاً لهذه الوصيفة ، كان هذان الثنائيان ليكونا أجمل أربعةِ أشخاصٍ في مملكتِنا .. ولم تدرِ الوصيفتان أنّ الأربعة مرتبطون بالفعل ، ولكنهما أخطأتا التوصيلَ !


ثم انفضّ المحفلُ ، ورجع وليّ العهدِ والأميرةُ إلى مخدعهما الملكيّ .. ومعهما الحارس الشخصيّ ( ليحميَ وليَّ العهدِ من الأخطار ! ) ومعهما وصيفة الأميرة ( لتقوم بخدمة أميرتِها ! ) .. ثم استغرق الحارسُ الشخصيّ في " حماية " وليِّ العهدِ في ليلة زفافه حتى أشرقَتِ الشمسُ ... كما استغرقَتْ الوصيفةُ في "خدمة" أميرتِها طيلة الليل كذلك !


وفي صباحِ تلك الليلة خرج الزوجان حديثا الزواجِ معاً ليستقبلا التهانيَ ، بينما هما يتثاءبان من قلة النوم .. والحشد المهنئ يجاهد ابتساماتِه وهو يصوِّر لنفسِه منظرَ الزوجين متلهيين عن النومِ بما لا يخفى على أحدٍ - في الواقع باستثناء الحارس الذي يجاهد هو الآخر لإبقاء عينيه مفتوحتين ، وباستثناء الوصيفة التي بدأ رأسها في التطوح .. باستثناء هذين ، مضافاً إليهما الزوجان ، فإنَّ الجميع كان مخطئًا فيما يفترضه .. على الأقلِّ مخطئًا في ماهية الأطراف ، وإن لم يكنْ مخطئًا في طبيعة الفعل !


كان هذا قبْلَ أربعين سنةً ، ومن بين الأربعة ظل ثلاثةٌ أحياءَ ، وماتَ واحدٌ .. وكان هذا الواحدُ صديقًا للثلاثة الباقين ، ولكنه كان حبيبًا لأحدهم دون الاثنتين الأخريين .. كان حبيبَ الملكِ !


***


الألحان الجنائزية تعوي ألمًا ، والمغنيَاتُ قد بدأنَ في مزاوجةِ اللحنِ بأصواتِهنَّ ، فبدا وكأنَّ الكونَ كلَّه يحتضرُ .. حتى من لا يعرفُ شيئًا عن الفقيدِ ، كان يبكي للحنِ والغناءِ .. أمَّا من كان يعرف الفقيدَ .. من كان يعرفُ كلَّ شيءٍ عن جسد الفقيد وروحِه ، فهذا يتماسك بالكاد ، ولولا الحياءُ من العيونِ لشقّ الجيوب ولطم الخدودَ ..


وتُدْني ملكتُه يدَها من يدِه ليعتصرَها في حزنٍ .. إنها تفهم ألمَه .. يومًا ما ستموت هي أو تموت " وصيفتُها " ، وستتمنى الباقيةُ لو تخبرُ الناسَ بعلاقتِها بالفقيدة ؛ ( لقد كنْتُ أحبُّها ) .. ( نعم ، لقد كانتْ محبوبةً من الجميع ) .. ( ولكنني لسْتُ الجميع ؛ لقد كنْتُ أحبها وتحبني ) .. ( نعم ، لقد كانتْ تحب الجميع ويحبها الجميع ) .. هذا ليس كافيًا على الإطلاق ... ولهذا تدنو الملكةُ من أذنِ ملكها وتهمسُ :


- " لو كان حيًّا ، ورأى دموعَكَ عليه  لتأكدَ له قدرُه عندَكَ ... أنتَ لم تكنْ مختاراً في إبقاء الأمر سرًّا .. لا تشعُرْ بالذنبِ ! "


كانَتْ تضع يدَها على الجرحِ ، وزادَتْ دموعُ الملكِ ، ولكنْ صاحبَها شيءٌ من الارتياحِ لمْ يشعرْ به منذ بلغه الخبرُ .. لقدْ حاولَ أن يقنعَ نفسَه بأنه فعل ما عليه .. ولكنْ منظرَ الناسِ ، وهم يتساءلون _ ولو بأعينِهم _ عن سبب هذه الجنازة الفخمة لـ " حارس شخصي " مهما كانتْ قدراتُه .. قد أعاد إليه الشعورَ بالذنب ... وخفف من حدة ذلك الشعورِ ما قالَتْه الملكة ، ولكنّه لا يزال رأيَ طرفٍ واحدٍ من طرفي العلاقة ، فمال على أذنِها :


- " هل هذا هو رأي ( ميرفت ) كذلك ؟ "


ابتسَمَتِ الملكةُ في أسًى :


- " على الرغمِ من مأساوية الموقف ، فهذا هو المتاح .. لو صرَّحْتُ بعلاقتي بها ، فعلى الأغلبِ سيتم الانتقامُ منها هي ، وليس مني أنا .. إنها تتفهم ذلك .. وأنا واثقة  أنَّ ( سيفًا ) تفهَّمَ ذلك أيضًا .. "


وبين الملك والملكة ذهبَتْ نظراتُ المواساة ونظراتُ الأسى وجاءَتْ ..


*******



(2)


كان العزاءُ يوشك أن تنفضّ جموعُه ... بينما الملك والملكة يتبادلان الهمسَ ، وبين المعزِّين يرمقهما ابنُهما بنظراتٍ فاحصةٍ .. وهو يدرك ماهية حوارِهما ..


 من حسن حظ الآباء أو سوء حظّهم أن يكون أبناؤهم فائقي الذكاءِ .. إنْ كانَ ما يرغبُ فيه الوالدان هو أن يخفى سرُّهما حتى عن ابنِهما فذكاء ذلك الابنِ الذي كشف الأمر هو من سوءِ حظّهما ..

 وإن كانا راغبَيْن في أنْ يطّلعَ أكبرُ قدرٍ ممكنٍ من الناس على حقيقةِ مشاعرِهما ، وأول هؤلاء الناس أقرب الناس إليهما - وهو ابنهما .. فذكاؤه كان من حسْنِ حظِّهما ..


 في النهاية .. ما يهمّ هو أنّ ( معتصمًا ) كان يدركُ تماماً ما يجري .. يدرك علاقة أبيه بـ"حارسه الشخصي" ، ويدرك علاقة أمِّه بـ " وصيفتِها " .. ويدرك أن تخصيبَ بويضةِ أمِّه بحيوان أبيه المنويّ - الذي تمّ في أنبوبة .. ليس سببُه طبيًّا على الإطلاقِ ... بل هو وثيق الصلة بطبيعة أبيه الجنسية وطبيعة أمه الجنسية ...

  ثم ماذا ؟


ثمّ إن الابنَ هو الآخر كان يشارك تلك الطبيعة الجنسية التي لعله ورثها من أبيه ومن أمه ..

ثم ماذا ؟


ثم إنه كان لا يزال في  الحادية والعشرين من عمره .. وما كان يغلي في دم أبويه وهما في مثلِ سنّه ، يلْهِبُ مشاعرَه التي لا يجد من يشاركُه فيها .. فتنبعث على هيئة خيالاتٍ جنسية في عقله ، ومنيٍّ ضائعٍ من جسده .. ولا أحدَ يعلم بهذه ولا ذاك ...

ثم ماذا ؟


ثمّ إنّ القصرَ يعجّ بالمتع اللحظية .. وبالأشخاص الذين يقدمون "خدماتٍ" بـ"مقابل" .. وكانَ ( معتصم ) يجاهدُ نفسَه لينهاها عن الانخراط في تلك المتع وفي تلقي تلك الخدمات ... ما كان يرغبُ فيه هو شيءٌ يُكْتَبُ له الدوامُ - تماماً كالذي كان بين أبيه وبين المعزَّى فيه اليومَ ... وهذا شيءٌ نادرٌ أن يتفقَ عرضًا ..


 كان يعلمُ أيضًا _ وإن بصعوبةٍ بالغةٍ _ ما حدث عندما بلغ أبوه الثامنة عشرة .. كانَتْ الدائرةُ الضيّقةُ التي تعلم بالتفاصيل تقل سنةً بعد سنةٍ بوفاة هذا وذاك .. ولكنَّ الابن كان مصرًّا على أن يعرفَ..  وفي النهاية .. فقد وجد التفاصيل الكاملة في مذكّراتِ عمّتِه ( ليلى ) التي تركَتْها مخفيّةً في إحدى جنبات القصر بعد وفاتِها - لماذا لم تحرِقْها ؟ .. لعلها كانتْ تخطط لذلك ولمْ تتَحْ لها الفرصةُ ، فقد ماتَتْ فجأةً ، وبالنظر إلى عدم وجود غبارٍ على تلك المذكرات ، فيظهر أنّ هذه المذكرات كانت تعاد قراءتُها بصورةٍ دوريةٍ ، حتى ماتَتْ صاحبتُها ..


كانتْ تلك المذكرات تحوي كنوزًا ؛ قصصًا كتبَها والدُه - ويظهر مما فيها من أخطاء إملائية أنه كتبها وهو صغيرُ السنّ .. ثم قصة انكشاف سرِّ والده على يد ذلك الطبيب النفسي .. وما تبعها من محاورات أفضَتْ إلى " تعيين " الضابط ( سيف ) كـ "ملبٍّ " لرغبات وليّ العهد .. ثم التفاصيلُ الكاملة لليلة لقاء والده بـ ( سيف ) ... بعد هذا يخرج والدُه من الصورة ، وتبدأ المذكرات في سرد صورٍ موغلةٍ في التفاصيل عن علاقات عمّتِه العديدة بكثيرٍ من الرجال والنساء ، وعما صنعَتْه _ أحياناً _ ، وصُنِع بها _ كثيرًا _ على يد هؤلاء الرجال والنساء ... يبدو أنّ هذا الولع الجنسي " غير التقليدي " يسري في العائلة كلها !


ولكنّ هذا ليسَ شيئًا إذا قيسَ بالنصفِ الآخر من الجيناتِ الذي يحمله ( معتصم ) .. القصص التي جاءتْه من البلاط الملكي لأمِّه .. كان شيئًا آخرَ ... ومن الغريبِ أنّ ما بلغه من أخبارِ من هناك كان يلمح إلى وجود علاقة بين أمِّه وبين (ميرفت) ، ولكنْ يبدو أنَّ مثلَ هذه العلاقات _ في حدودٍ ما _ تُعَدُّ مقبولةً هناك .. أو على الأٌقلّ : مقبولةً على مستوى نساء القصر الملكي هناك ... وكان جدُّه لأمِّه _ إنْ صحَّ ما وصل إلى ( معتصم ) من إشاعاتٍ _ بطلَ عالمٍ في الجنسِ .. من الغريبِ أنه لم ينجبْ سوى ثمانية أولادٍ فقط .. ولمْ يكنْ أخوالُ وخالاتُ ( معتصم ) بأقلّ عراقةً من أبيهم في صولاته وجولاته ، وأحدُهم بالذات - خاله الأكبر - لو كانَ قابلَ أباه في مرحلة مبكرةٍ من عمريهما ، ولمْ يكنْ من أصلٍ ملكيّ ، فلعله كان ليصْبِح هو حارسَه الشخصيّ مكانَ ( سيف ) !


كان ( معتصم ) مهيأً لتئول إليه الرياسةُ في عالم الممارسات الجنسية ، بالنظرِ إلى ما يجري في عروقه من دماءَ ... ولكنْ مع ذلك ، فهو لم يجرِّبْ شيئًا على أرضِ الواقع بعد ... كلّها خيالاتٌ ..


ومن حسْنِ حظِّه أنَّ عادة التزويج بمجرد بلوغ الثامنة عشرة هذه ، قد امَّحَتْ على يد أبيه .. ومن ثمّ فهو لمْ يضطر لخوض تلك الملحمة الاعترافية التي خاضها أبوه  ..


كان المعزّون قد انصرفوا ، وخفتَتِ الألحانُ ، وبدأ الخدمُ في إعادة المجلس الملكي لترتيباته الطبيعية ...


وشعر ( معتصم ) أنَّ عليه أن يواسي أباه ، ولكنه لمْ يدرِ ماذا يقولُ .. وقد اقتربَ من أبيه متصوّرًا أن الكلام سيأتي وحدَه عندما يدنو منه ، ولكنّه ظل صامتًا ..


- " هل هناك شيءٌ يا سموَّ الأميرِ ؟ "


- " لا شيء يا أبي ! "


وصل صوتُ الاحتجاج المكتومِ من فم مسئول التشريفات على هذه اللفظة ، فاستطرد ( معتصم ) :


- " بإمكاني أن أناديكَ بـ( أبي ) .. أليس كذلك ؟ أعني لقدْ فقدْتَ " حارسَكَ الشخصيّ "  ، وأنا أريد تعزيتَك فيه .. من المنطقيّ أن يستدعي ذلك تجاوزَ بعض الرسميات الجافة وتجاوز أهلَ السماجة القائمين عليها أيضًا "


كان مسئول التشريفات يلح بنظره على الملك ، وكأنه يحثه على أن ينهى ابنَه ، فحاول الملكُ أنْ يأخذ موقفًا وسطًا :


- " لا داعيَ لإهانة موظفي القصر ، يا سموَّ الأميرِ "


- " أنت تدافع عن موظفي القصر الذين نصحوا بمنع دفْنِ أقربِ الناس إليك في مقابر الملوك ؟! "


فطن الأمير الشاب فجأةً إلى عبارة ( أقرب الناس إليك ) .. ولمْ تخفَ على أذني مسئول التشريفاتِ الذي قال بسرعةٍ  :


- " إن أقربَ الناس إلى جلالة الملك لا تزال جلالتُها حيَّةً ، يا سموَّ الأميرِ  .. ونحن _ رعيّةَ جلالتِه _ ندعو لجلالتِها بطول البقاء ووافر الصحة "


كان غيظٌ الأميرِ الشابّ قد وصل مداه ؛ هل قام ذلك الوغدُ بالمزايدة عليه في حبِّ أمِّه - حرفيًّا ؟! .. ولكنَّ التساؤلَ المشوبَ بالغضبِ في عيني أبيه ، كان أولى بأن يراعيَه ، فاستدركَ :


- " لم أعْنِ : أقربَ ، وإنما : من أقرب "


- " لا يزال استعمال سموّ الأمير لهذه اللفظة غيرَ مناسبٍ ليوصَفَ بها خادمٌ للملك .. "


- " اتركونا وحْدَنا .. "


كانتْ هذه الصرخة من الملك ! ولسوء حظ مسئول التشريفات ، فإنَّ الملك لمْ يكنْ ينظرُ في جهةٍ معينةٍ  عندما أصدر ذلك الأمْرَ ، فَوَجَبَ _بحكم الرسميَّاتِ ، على الرغم من غضب الملك _ أن يستفسر :


- " المعذرة جلالتَكم .. ولكنْ من المقصود بضمير الجمع المتكلمين في ( اتركونا) ، فهل هو مقصورٌ على اثنين أم أكثر ؟ "


- " لقد قصدْتُ أن يغادر ابني مع بقية الخدم ، لتبقى أنتَ هنا ، فأتملى محاسنَ سَحْنتِك الكئيبة !! "


كان مسئول التشريفات راغبًا في الاعتراض على استخدام ( ابن ) بدلاً من ( سمو الأمير) ، ولكنْ بقية الجملة أخرسَتْه ، فتراجع بظهره ، وهو يكرر اعتذاراتِه ..


ولما خلا الأبُ بابنِه ، كانَتِ الابتسامةُ الساخرةُ بمسئول التشريفات لا تزال على فم الأميرِ الشابّ .. ولكنّ نظرة أبيه الغاضبة خسفَتْ بها .. لسْتَ بحاجةٍ إلى أن تكون ملكًا ليكون لنظرتِك هذا التأثيرُ على ابنِك ..


- " ما الذي تعرفه ؟ "


كان الأمير الشابّ يريد المناورةَ ، ولكنّ نفس النظرة نهَتْه عن المناورة كما نهَتْه عن الابتسام ..


- " أنك كنْتَ تجد صعوبةً في الجلوس في أحيان كثيرةٍ بسبب ما يفعله بك "


- " كرِّر هذا عليّ !! "


- " أنت مَنْ سأل عما أعرفه ! "


- " هذا لا يليق في خطاب أبيك ! "


- " وهلْ هذا يليق في وداعِ حبيبِك ؟! "


كانتْ هذه ضربةً تحتَ الحزامِ .. كل ما قامَتْ به الملكة قبل قليلٍ لتقلل شعورَه بالذنبِ قد بخَّرَه هذا السؤالُ ...


- " أنا آسف !  .. لقد فعلْتَ ما في وسعِك لـ .. "


- " كلا ! لم أفعلْ ما في وسعي ، حتى مجرد وَصْفِهِ بأنه من أقرب الناس إليّ لمْ يرضِ مسئول التشريفات ؛ لأنه يراه خادمًا للملك ! "


- " نعم ، ولكنَّ هذا ليس ذنبَكَ .. إنّ قدرتَك على أن تزيلَ صفتَه كحارسٍ للملكِ لتستبدل بها صفتَه كحبيبٍ للملك هي وهمٌ ، كل ما في الأمر إنك كنْتَ ستزيل معها صفتَه بأنه كائنٌ حيٌّ ، وتعجل به إلى قبرِه .. حتى لو استطعْتَ أن تتغلبَ على الاعتراض العظيم على تصريحك بعلاقتك به ، فإنَّ القصرَ مليءٌ بالدسائس .. بالسيف أو بالسم أو بما بين ذلك - كان سيقضى عليه ، وربما عليك أيضًا ؛ .. إبقاؤك الأمر سرًّا ليس ذنبَك ! "


كانَتْ هذه الجملُ على قصرِها أنجعُ في تخفيف حدة الألم من جمل كثيرة طويلة تبادلَها مع أمِّه ..


- " أنتَ تجيدَ استعمالَ لسانِك "


- " ليس مع جلالتِك ! يععع "


كانَتْ هذه أولَ مرةٍ يضحك فيها الملك منذ وفاة ( سيف ) ..


- " إن سلاطةَ "لسانِك" كانتْ لتروقَ للفقيد .. "


- " وليس معه أيضًا ! يععع .. إنه بمثابة أبّ ؛ رُبَّ أخٍ لك لم تلدْه أمُّك .. وربّ أبٍ لك كاد أن يلد منه أبوك ؛ لولا اعتبارات التشريح !  "


ابتسم الملكُ مرةً أخرى ، ولكنّ شيئًا ما فيما حواه قولُ ابنِه كان بالضبط هو ما يريدُ أن يسمعه ولكنه لا يدري ما هو ، فلما سمعه تهللتْ أساريرُه..  :


- " أنت لا تشعر بالعار أو بالخزي بسبب كوني ..؟ "


- " ألبتة .. في الواقع أنا أيضًا مثلَك "


- " أنتَ مِثلِيْ  .. ؟ "


- " ها ها ها .. سخيفة ! "


- " واو ! .. أنا أذكرُ أنني أزلْتُ الكلفةَ مرّةً مع الملك الراحلِ ، ولكنّك قطْعًا ستحصل على اللقب في هذا المجال .. تصوَّرْ لو سمعك مسئول التشريفات "


- " ما كان لِيَفْعله بي آنذاك ... هذا - كان ليروق للفقيد ! "


كان هذا دورَ الملك لتصدرَ عنه الـ " ييععع " !


***


كانتْ تلك الـ " يعع"ـات صادقةً تماماً - على مستوى الوعي .. على مستوى اللاوعي ؟ .. الأمر معقد !


لقد كان المرحوم ( فرويد ) يعتبر المثلية الجنسية انحرافاً - إلى حدٍّ ما ، فقد اعترفَ للمثليين بالمساهمة الضخمة في الإبداع البشري .. ولكنْ من حيث المبدأ فقد كان المرحوم ( فرويد ) يرى أنَّ ميل الطفل إلى والدته ، وميل الطفلة إلى والدها ، ومن ثم مشاعر الطفل العدائية ضد والده ، ومشاعر الطفلة العدائية ضد والدتِها ، سلوكاً فطريًّا تحتاج إليه السويّة الجنسية كمرحلةٍ في تكوينِها .. فإذا كانَ هذا ما تحتاجه السوية الجنسية ، فمن يعترض على الانحراف ؟


ولم يكُنْ وعيُ ( معتصم ) مستعدًا لقبول آراءِ ( فرويد ) على علّاتِها ، ولكن لا وعيَ ( معتصم ) لم يكنْ بحاجةٍ إلى أن يقبل تلك الآراءَ .. فهو مصدرٌ لا باحثٌ ، وهو في الحقيقة مأخوذٌ عنه لا آخذٌ ... فهو أصلٌ تبنى عليه نظريات ( فرويد ) العميقة - على علّاتِها .. وتبنى عليه آراءُ ( معتصم ) السطحية - على نفاذِها للأعماق أحياناً ...


وقد كان ذلك اللاوعي مشغولاً أيّ شغلٍ بكثيرٍ مما دار في حوار الليلة بين ( معتصم ) وأبيه .. ومشغولاً أيَّ شغلٍ بكثيرٍ مما قيل وسُمِعَ وحَدَثَ ورُئِي وتُخُيِّل وتُمُنِّيَ سنواتٍ طويلةً قبل هذه الليلة ... ومشغولاً أي شغلٍ بصياغة أحداثٍ لا منطقية تربط هذا بذاك .. ولو قُدِّرَ للمرحوم ( فرويد ) أنْ يطّلِع على ما رآه ( معتصم ) من أحلامٍ في تلك الليلة .. لوجده معينًا لا ينضب لكثير من الدراسات اللاحقة ، والتصويبات على الدراسات السابقة .. لقد كانتْ أحلاماً مهمةً بالفعل ..

***


السماءُ في الأسفل !


هذا وضعٌ غريبٌ .. ثم اكتشف أن السماء تتحرك ..


 إنه يطير !


اعتدل في طيرانِه فصار بطنُه للأرض وظهره للسماء .. كانَتْ هذه فرصة مناسبة ليقتنصه العقابُ ذو الرأس الآدمية بينما هو مشغولٌ بالنظر إلى الأرض ..


- " الملك بانتظارك "


- " أنت تتكلم ، هذا جميلٌ .. أيُّ ملكٍ ؟ أبي ؟ "


فجأة لم تعدْ هناك سماءٌ ولم يعد هناك عقاب .. إنه عارٍ يجلس على مقعدتِه على بلاط القصر البارد .. ولكنه لا يشعر بالبرودة ، بل يشعر بالدفء .. صوتٌ يأتي من خلفه :


- " أبي ؟ "


يتفاجأ بنفسِه ، وهي تجيب رغم إرادتِه :


- " هذه كلمة سأزيلُها من قاموسي تماماً ! "


كان الصوتُ متقطّعًا بفعل النشيج .. إنه يبكي ! الآن يبدو ذلك الدفء  مبررًا ..


- " جلالة الملك ؟ "


- " هذه هي الكلمة المقبولة في خطابي لأبي .. أعني لجلالة الملك ! "


صاحبُ الصوتِ يكمل دورتَه حول العريان الذي يستغل برد البلاط ليخفف حرارة مؤخرتِه .. ثم تلتقي عيناهما :


- " يبدو أنك لم تتعلمْ درسَك بعد ! "


- " أرجوك .. أرجوك .. أرجوك ! "


- " يا حارس ! "


- " هناك حارس ؟ "


لم يكنْ هناك حارس ، ولكنّه انبثق من العدم .. فارع الطول ، تامَّ البنية ، فاحم السواد ، عضلاتُه كأنما قُدَّتْ من صخر ، كتمثال من أبنوس فرغَ من نحتِه آلهة الأوليمب لتوهم .. فهو في آخر درجات البشرية وأول درجات الآلهة ؛ نصف إله !


يكرِّرُ مسئول التشريفات بصوته الحادّ :


- " يا حارس ! هذا الولد الشقيّ مستمرٌّ في إظهار الاستخفاف بمليكنا المفدى ، وقد عاقبْتُه فما نفع .. فهو بحاجةٍ إلى عقابٍ فوق بشريّ علَّه يتعلم درْسَه "


- " أرجوك .. أرجوك .. أرجوك .. "


الصوتُ اليونانيُّ الفخمُ ينبعث من الحنجرة السمراء الفارهة :


- " استهزاءٌ بملكٍ ؟ هذا أمرٌ غيرُ مقبولٍ ! "


لا يدري ( معتصم ) متى أتقن اليونانية ، ولكنه بدأ في سرد اعتذاراتِه بها في طلاقةٍ .. ومع كلّ اعتذارٍ كانَ ركنا الفم الضخم يتسعان قليلاً ليفسحا المجالَ لصفّ الأسنان ناصعة البياض لتظهر .. مَنْ سمِع بنصف إلهٍ غرَّتْه توسلاتُ بشريٍّ أحمر المؤخرة من قبل ؟ إن المحاولةَ نفسَها مضحكة !


- " هذه الاعتذاراتُ لن تحسِّن من موقفي .. أليس كذلك ؟ "


- " إنها مسلية مع ذلك ! "


- " يا حارس ! كفّ عن إضاعة الوقــ .. "


كان هذا آخرَ ما قاله مسئول التشريفات قبل أن يتحول إلى إصبع كفتةٍ تحت قبضة نصف الإله ..


- " لقد كان مستفزًّا .. وحده ( زيوس ) يناديني بهذه الصفة ! "


- " أيّة صفة ؟ حارس ؟ "


- " أنت فعلاً لا تتعلم درسَك .. أليس كذلك ؟ "


- " أعني .. لقد كان مجرَّدَ استفسارٍ .. أنا آسف ! "


- " انهضْ ، واستدَرْ ! "


ولمّا لمْ يجبْ عليه سوى خدَّي ابن الحادية والعشرين احمراراً .. أضاف في استهزاءٍ :


- " لأرى مدى حمرة ردفَيكَ ، وأبني عليها بقية عقابِك .. وليس لما يدورُ في ذهنِك ! "


ولمّا لمْ يستجبْ ( معتصم ) .. أكمل الحارسُ _الذي لا يناديه بهذه الصفة سوى ( زيوس) _ :


- " وإذا كنْتَ مطيعًا ، وتلقيْتَ عقابَك بلا لغطٍ .. فقد أفعلُ بك ما يدورُ في ذهنِكَ "


في جزءٍ من الثانية كان الشابُّ قد نهض وولى دبرَه لنصف الإله ..


- " واو ! .. بحق ( زيوس ) لقد ألهب ذاك القميءُ مؤخرتك الفاتنة ! "


جاءه الردّ من الوجه الغائبِ عن نظره ، في صورةِ شهقةِ بكاءٍ كأنه يستدرُّ عطفَه ..


- " حسنًا ، قد تخليْنا عن بقية عقابِك .. "


- " وماذا عما بعده ؟ "


ما تفعله الحاجَةُ بأهلِها ! ...لقد كان الأمير يستجدي ! .. بعينيه .. بشفتيه .. بكل جزءٍ من جسدِه .. وقد أثمرَ استجداؤه : 


- " تعالَ هنا ! "


يحاولُ ( معتصم ) السيطرة على لعابه الذي سال من فمه ويحاول السيطرة على غير لعابِه الذي سال من غيرِ فمه .. بينما عيناه تتجولان في تلك العضلات الضخمة .. وما إن دنا من الحارسِ حتى غاب الحارسُ والقصرُ الملكيُّ كلُّه .. فصرخ محنَقًا .. لقد كان على بعد شعرةٍ من أنْ يظفر بمرادِه .. هذه دناءةً !


حاولَ أن يتجاهل غضبَه ، ويمعنَ النظرَ فيما أمامَه ولكنّه لم يرَ شيئًا .. ظلامٌ دامسٌ .. ثم شعرَ بيديه مرفوعتَين فوق رأسه ، وهناك عصابة على عينيه .. وقد اتَّكأ مرفقاه على جانبي زاويةِ حجرةٍ .. هذا يبدو مألوفًا بشكلٍ غريبٍ ..


ثم تحقق ظنُّه ، وجاءَتْه التأوّهاتُ الجنسيّةُ الفاضحةُ ؛ صوتٌ لا يصح أن يسمعه ابنٌ من أبيه ..


كانَ هذا المشهدُ مأخوذًا بحرفيَّتِه من مذكّراتِ عمَّتِه الفقيدة .. وبدا جليًّا أنَّ لا وعيَه قد اختار له أن يلعب دور عمّتِه لا دورَ أبيه ؛ لماذا ؟


التاوّهاتُ تزداد ارتفاعاً ، وصوت انزلاق جلد الأيرِ في حوافّ الاستِ القابضة عليه  ، وصوتُ ارتطام جلد الخصيتين بجلد الخصيتين  يزداد ارتفاعًا أيضًا .. كأنه موسيقى تصويرية تتصاعد نغمتُها مع تسارع الآهاتِ .... - كان هذا الوصفُ أيضًا وصفَ عمّتِه ، وقد ارتضَتْ أن تصف ما يحدث لابنِ عمِّها بهذا الوصف التفصيلي ، فاستطاع لا وعيُه أن يعيدَ رسمَ الصورةِ حيّةً نابضةً تحكي في شدة نبضِها شدةَ نبضِ ثلاثة أيورٍ هذه المرة ، وليس أيرَين فقط كما كان عليه الأمرُ في القصة الواقعيّة ..


ولقد حاول ( معتصم ) بكل ما أوتيَ من وعيٍ أن يمنع نفسَه من الاستمتاع بما يجري .. وحاولَ أن " يغيّر الحلمَ " ، ولكنَّ المحاولَتين فشلتا ! كان يسمع كل صوتٍ صادرٍ من أعضاء النطق ، وكلَّ صوتٍ صادرٍ من غير أعضاء النطق ! وكانَ _ في ظلام العصابة المحيطة بعينيه _ يصوِّرُ لكلِّ صوتٍ ما يناسبُه من الصورِ .. ثم بدأَتْ أصواتُ النهاياتِ تطرقُ سمْعَه .. وكان أوَّلَ ما خطر له على الرغم منه هو شعورُه بالحسد تجاه أبيه : ( اتركْ لي شيئًا ) - هكذا فكَّرَ .. ولكنْ لو صحَّتْ راويةُ عمّتِه .. فقد تركَ له / لها أبوه الكثيرَ ! .. وبالطبع فقد كان توثيقُ عمَّتِه حرفيًّا ..


وكأنَّ لا وعيَه قد ملَّ الحومَ حول الحمى ، واشتاق لأن يرتَعَ فيه .. فبدأ يسردُ عليه الصورَ متسارِعاتٍ .. صوتُ ( سيف ) وهو يأمرُه بأن ينزع العصابةَ ويستديرَ .. صورةُ أبيه وهو يلتقط أنفاسَه بصعوبةٍ كأنه خارجٌ من سباقِ ماراثونيّ .. من أدخله في السباق الماراثونيّ يقتربُ رويدًا رويدًا من زاوية الحجرة .. القبلة .. تماماً كما وصفَتْها عمَّتُه .. التدرّج في إدخال اللسان .. صوتَ الصدى الذي رنَّ للشفتَين وقد فارقتا الشفتَين .. الابتسامةُ المغرورةُ من ابن ( المكبّ ) وهو يرى أثرَ قبْلتِه في العينين الولهانَتين ... تكرارُ ما سبق في صورة قبلةٍ ثانيةٍ وثالثةٍ ... صوتُ أبيه وقد استعاد شيئًا من قوّتِه- يحتجّ على إخراجِه من الصورةِ .. ابن ( المكبّ ) يحيطُ بخصر الابن بيديه ، وهو يسحبُه متقهقرًا جهةَ الأبِ المكوّمِ على السريرِ ، ولا يزالُ لسانُه يستكشف كلَّ ما يطولُه من فمه ... عينا الابن تقابلان عينَيْ الأبِ ، وقدْ طوَّح به ( سيف ) لينبطح على السرير الوثيرِ .. يد ( حسّان ) تتخلل خصلَ شعرِ ( معتصم ) بينما قبلاتُ ثالثِهما تنقرُ جانبَ عنقِه نقراتٍ متسارعاتٍ ، وما كان يتمنى ( معتصم ) أن يترك أبوه له بعضَه ، قد بدأ في الانسياب في أخاديدَ وفي التهيؤ لملءِ شقوقٍ .. واليدُ الحنونُ لا تزال تنسابُ في الشعرِ الأثيث .. ثم تقبضُ على خصلٍ منه لتحني الرأسَ جهة رأسِ صاحبِ اليد .. فيقابلَ فمُ الابنِ فمَ الأبِ .. وهما يتقاربان ويتفاوضان على صيغةٍ تفضي بهما إلى الاشتراك في اتحادٍ دوليٍّ ... لقد فعلَتْها ( ليلى ) مع ابنِ عمِّها قبلَ أربعين سنةً .. فلماذا لا يفعلُها ( معتصم ) مع أبيه ؟  ولكنَّ الوعيَ _ أو ما بقيَ منه _ كان له رأيٌ آخرُ ؛ هذا فوقَ قدرتي على الاحتمالِ ! .. وما أسرعَ ما ضغطَ الوعيُ _ أو ما بقيَ منه _ على زرّ الريموت كنترول ، فتغيَّرَ الحلمُ ..


الرخامُ الأخضرُ المنقّطُ يغطي البهو الفسيحَ ..والستائر تتدلى من السماء تقريبًا لتكنس البلاطَ .. والذهبُ ينقش كلَّ شيءْ ...  كان يعرفُ المكانَ جيِّدًا .. وإن لمْ يزرْه إلا مراتٍ قليلةً .. كان هذا هو القصرُ الملكيُّ الذي ترَبَّتْ فيه أمُّه .. صوتُ جدِّه يأتيه من عرشِه ..


- " ( مؤتصم ) ! "


فيسرع ( معتصم ) الذي أتمّ الثامنةَ عشرةَ قبلَ أيَّامٍ جهة صاحبِ الصوتِ ، ثم يغوصُ ( معتصمُ )  في حضْنِ جدِّه الذي يضحكُ سرورًا برؤية حفيدِه - كانتْ هذه أيضًا قصةً حقيقيةً ، ولكنَّ ( معتصمًا ) يعلم جيَّدًا أنها لا تحوي "شيئًا" ، فما الذي يخبئه له لا وعيُه فيها ؟


صوتُ ابن خالتِه ( إمير ) يقطع هذا الاحتضانَ المبالغ فيه :


- " واو ! ادَّخَرْ بعضَ هذا لبقية أقربائك ! "


وجْهُ ابن الخامسة عشرة يظهر أمام عيني ( معتصم ) ، وهو يبتسم في جذلٍ .. ويتمنى ( معتصم ) لو كان ابنُ خالتِه أكبرَ سنًّا بقليلٍ .. من يدري ما الذي كان ليكونَ حينَها ؟ .. وكأنما أجيبَ إلى طلبِه :


- " ( مؤتصم ) ؟ "


ملامح ابنُ خالتِه تكبرُ فجأةً عدّةَ سنين ، وتتحوّلُ من الجذلِ إلى التساؤلِ :


- " ( مؤتصم ) ؟ "


***


- " ( مؤتصم ) ؟ ألا تزالُ نائمًا ؟ "


هذا ليس حلمًا ! في جزءٍ من الثانيةِ أدرك ( معتصم ) أنَّ لا وعيَه قد استعادَ تلك الذكرى - لا ليفاجئه في حلمِه بشيْءٍ جديدٍ ، بل ليمهد له الفرصةَ ليفاجئ نفسَه عندما يستيقظُ على صوتِ ابن خالتِه .. متى جاءَ إلى القصرِ ؟ من سمح له بالدخولِ عليه نائماً ؟


- " لقد قالَتْ خالتي إن بإمكاني أن أوقظَك بنفسي لأفاجئك ! .. مهلاً .. ما هذا ؟ "


كان (هذا) الذي يسأل عليه ابنُ الثامنة عشرة باسمًا هو نتوءٌ في منتصف الملاءة يبدو كوتدٍ يرفع الخيمةَ عن الأرض .. ولو لمْ يكنِ ارتفاعُه غيرَ معتادٍ لظنّ ( إمير) أنه شيءٌ لا يليق .. ولكنّه بدا مصطنَعًا ، وقبلَ أن يقبض عليه ( إمير ) ليكشف ماهيَّتَه ، كان ابن الحادية والعشرين ، قد حرَّكه بيده لينقلَه من وضعه العمودي إلى وضعٍ أفقيّ :


- " هذا لا شيءَ يا ( إمير ) .. إمم ...  سأرتدي ملابسي ، وأقابلك في الخارج "


- " أنت تنام عارياً ؟ بلا ملابس داخلية حتى ؟ "


- " ( إمير ) ! راعِ ألفاظَكَ ، وانتظرْني في الخارج ! "


- " لا زلْتُ في شكٍّ من الأمرِ ..هل كان هذا فعلًا جزءًا من جسدِك ؟  "


- " ( إمييير ) ! "


- " لا تخدعْ مخادِعًا .. لقدْ كنْتَ تسمع وقعَ خطواتي ، وعلمْتَ أنني سأوقظَك فوضعْتَ عصًا تحت الملاءة لتثيرَ إعجابي .. اليس كذلك ؟ "


- " لماذا أرغبُ في إثارةِ إعجابك أصلاً ؟ .. ثمّ إنّ الذي تسأل عنه قد نتج عن شيءٍ رأيْتُه في حلمي ، هل أنتَ مسرورٌ بهذا الاعتراف ؟ "


- " ما الذي رأيتَه في حلمك ؟ له علاقة بي ؟ "


- " لا ، بل له علاقةٌ بأبي ! اخرج الآن ! "


- " لو لمْ أكنْ أعلمُ أنك تمزح لظننْتُه جدًّا ؛ إنَّ أباك حقيقٌ بأن ينتج عن التفكيرِ فيه الكثيرُ من " العصيّ" "


كانَ المراهقُ يعلمُ أنَّ هذه هي القشة التي ستقصم ظهر البعير أو ستوجع مؤخرة البعيرِ ! فهرولَ مسرعًا ليخرج من الغرفة ، وأتبعَتْه مخدّةٌ ألقاها عليه ابنُ خالتِه ، ولكنّها أصابَتِ البابَ المغلقَ للتوّ خلفَه ..


ما كان يزعج ( معتصمًا ) _ أو (مؤتصمًا) ، كما يناديه أخوالُه _ هو أنَّ ابن خالتِه _ على مجونِه _ ظنّ أنه يمزح !


كانَتْ ذكريّاتُ الحلم أو الأحلامِ التي رآها للتوّ لا تزال طازجةً تتداعى أوّلاً بأولٍ على ذاكرتِه بينما يستحضرُها ... هناك أنصاف آلهة ، هناك مسئول التشريفات البغيض ، وهناك ..  أبوه ، وحبيبُ أبيه ... كان الخجلُ يغزو خدَّيه ، وهو يتذكر التفاصيلَ .. ليسَ بحاجةٍ إلى أن يتذكرَها ؛ إنَّ مذكرَاتِ عمِّته في الدرج المجاورِ للسريرِ ، وبإمكانِه أن يستعيد ذكريات تلك الأمسية الخلابة .. كما فعل مئاتِ المراتِ من قبلِ .. ولكنْ هذه المرة يبدو أنَّ هناك شيئًا أشوقُ وأملحُ وأعلق بالقلبِ - ليس في الخيالِ .. ولا في ذكرياتِ أشخاصٍ آخرينَ .. بل في واقعِه هو ، وحياتِه هو ..


وعلى الرغمِ منه ، قرَّرَ أن يستغلَّ ذكاءَه في تحقيقِ شيءٍ يرغبُ فيه .. ورغبَ فيه من سنين طويلة ... فرفع صوتَه :


- " ( إمير ) أعرف أنك تتنصتُ خارج البابِ لتسمع ما تعتقد أنني أفعله .. ادخلِ الآنَ أيها الشقيّ ! "


فُتِح البابُ ، ودَخَل الأميرُ المليحُ ، وعلى وجهه علامات التساؤلِ ، فبادره ابنُ خالتِه :


- " لقد كنْتُ في الثامنة عشرة من عمري يومًا ما ، أنا أعرف كيف يفكر هذا النوعُ من الحيواناتِ ! "


تجاهل الأميرُ المراهقُ التعريضَ بصغرِ سنِّه .. ومَنْ يكره أن يكون مراهقًا ؟ .. وقال في استهزاءٍ :


- " أنت كنْتَ في الثامنة عشرة يوماً ما - يا جدّي .. من الجميل أنك لا تزال تذكر ذلك الماضي البعيدَ "


- " ( إمير ) ! "


- " هل ستطردني من غرفتِك مرةً أخرى ؟ "


نظرَ الأميرُ الذي تجاوز المراهقةَ بسنين إلى الأمير الذي لا يزال فيها .. وتذكر الأكبرُ ما كان يتمناه وهو في سنِّ الأصغر .. تلك الشهوانيّة الوحشية التي تموج بها العينان - صوتٌ في عقلِه يلحّ عليه : أنت تريد .. وهو يتلوى شهوةً .. لماذا تمانع ؟ 


- " بل أنا لا أعتقد أنك ستخرج منها لفترةٍ طويلةٍ جدًّا ! هل هناك أحدٌ بانتظارِك ؟ "


- " لن يفتقدني أحدٌ لو غبْتُ لبضعة ساعاتٍ ! "


- " بضعة ساعاتٍ ؟ أنت مراهقٌ .. إنَّ التفاوتَ بينكم في "الاستمرارية" يقاسُ بالثواني ! "


- " جرِّبْني ! "


كان بنطالُ الأميرِ المراهقِ يحكي هو الآخرُ نتوءًا مشابهًا لنتوء الملاءة .. هل كان تعليقه عن الملابس الداخلية إسقاطاً إذن ؟ .. 

أشارَ إليه ابنُ خالَتِه بإصبعِه ليقتربَ .. وأكملَ ( إمير ) الفكرةَ فنزع عنه ما يرتديه بينما هو يخطو الخطواتِ الفاصلة بينه وبين السرير..  لقد كان تعليقه عن الملابس الداخلية إسقاطاً بالفعل !.. وفي ثوانٍ كان الأميرُ العاري يميل على ابنِ خالتِه  ليلْثمَه ...


كانَ ( معتصم ) قد تمنى هذه اللحظة لسنين طويلةٍ ، ولقلة الممارسة حكمُه .. فما إنْ مسَّتْ شفتاه شفتي ابن خالتِه حتى ارتعشَتْ شفتاه وجسدُه كلُّه .. وفي ثوانٍ كانتِ الملاءةُ قدِ ابتلَّتْ بللًا فاحشًا ، وحاول ( إمير ) جاهدًا أن يكتم ضحكاتِه ، ولكنها استحالَتْ _ على الرغمِ منه _ قهقهةً .. بينما ابنُ الحادية والعشرين يهزّ رأسَه في عدمِ تصديقٍ :


- " أتعرف .. ؟ .. تلك الأحلام قد أسهمَتْ بصورة كبيرةٍ في ... لو لمْ تكنْ أيقظْتني فربما كان الأمرُ ليصلَ إلى منتهاه في منامي .. "


من بين ضحكاتِه جاء ردُّ المراهق :


- " هذا يحدث كثيراً ؟ .. "يصل إلى منتهاه في منامي" ؟ "


فطن ( معتصم ) للمغزى :


- " إن هناك صفوفًا من الراغبين ، ولكني أنا مَنْ يرفض ! "


- " صفوف طويلة على ما أعتقد ؟ "


- " لو رأيتَها لذُعِرْتَ من طولِها "


- " لقد رأيْتُ شيئًا سرّني طولُه قبلَ قليلٍ .. ولكنْ للأسف ما كلٌّ ما يلمعُ ذهبًا ... والمظاهر خدّاعةٌ ... وربَّ شيءٍ طويلٍ طويلٍ .. أردْتُ أن ألتقطه فانكمش ! "


عادَتْ ضحكاتُ المراهق قهقهةً ، وهو يصوِّرُ لنفسِه ما حدث قبلَ قليلٍ ، ثمّ قال بعد أنِ انتهَتْ نوبةُ ضحكِه :


- " على أيةِ حالٍ سأتركك لتتعافى ... "المراهقون يقاسون بالثواني " .. إنك _يا ابنَ خالتي_ مسخرةٌ .. هههه "


وصلَ صوتُ البابِ وهو ينغلقُ خلفَ الأمير المقهقه إلى مسامعِ الأمير " المسخرة " ، فدفنَ وجهه في مخدَّتِه .. وهو يبثّها الوعودَ بما سيفعله بابنِ خالتِه "عندما تعودُ الأمورُ لطبيعتِها " .. ؛ فلْينتظرْ ذلك المراهق الشقيُّ ما ينتظرُه .. إن لن يعرفَ ما حلَّ به .. سينزلُ به الأمرُ بسرعة البرقِ .. أعني بسرعة البرق في نقطة بدايتِه ثم سيستمر المنحنى بعد ذلك لفترةٍ طويلةٍ ...ليسَتْ العمليّةُ كلها بسرعة البرقِ .. فقط البداية هي التي بسرعــ..  بدا للأمير أن مخدَّتَه هي الأخرى تقاطعه ضاحكةً عليه فلكمها بقبضتِه ، واستلقى على ظهرِه متنهدًا في استياءٍ :


- " هذه الدنيا القاسية ! "


ثم وصلَ إلى عقلِه إحساسُه بالبلل اللزجِ يغطي الملاءةَ ، فتلتصقَ  بفخذيه .. لقد كان يفترض أن ينتهي الأمرُ نهايةً جافّةً هذه المرة .. أن يكون البللُ في مكانٍ آخرَ .. في جسمٍ آخرَ .. ولكنّه مستمرٌّ _ للأسف _ في تولي تسميد الملاءات بالمواد العضوية .. الكثير من الفركتوز الذي أنتجَتْه الأرضُ ينتهي به الحالُ في الغسّالاتِ .. ( فرويد ) كان لِيعدَّ هذا انحرافاً .. وإضاعةً للموارد !


- " هذه الدنيا القاسية ! "


----- ( تــمَّــت ) -----


ليست هناك تعليقات: