الأربعاء، 3 أغسطس 2016

قصة : (نادية) أو (سفيتلانا) ( م/ ف)



قصة : (نادية) أو (سفيتلانا) !  ( م/ ف) 

- بضعة تنويهات :

تنويه 1 : هذه القصة تعمد في كثير من أجزائها إلى استخدام لغة قد تعد مرتفعة قليلاً عن عربية الجرائد والصحف , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد  نوهنا به .

تنويه 2 : تصوِّرُ القصة في معظمها علاقةً ذات طابع جنسي بين رجل وامرأة , فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك , فقد  نوهنا به .

تنويه 3 : مما تشمله تلك العلاقة ذات الطابع الجنسي ما يقترب من أن يكون ما يعرف بالإنجليزية / بالإنكليزية بـ
فإن كان هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به . 

تنويه 4 : هذا العمل ضرب من الخيال لم يقع ولا أجزاؤه ,  ولا قَصَدَ إلى تصوير ما وقع بكليته أو بجزء منه , وشخصياته ليست محاكاة لشخصيات واقعية وأي تشابه بينها وبين أي شخصية واقعية حية أو ميتة علمنا بها أو لم نعلم محض صدفة , وأي حثٍّ على فعل أو على الامتناع عن فعل بناءً على ما في القصة مما تُوُهِّم أنه مغزى فهو غيرُ مقصود من المؤلف , وليس حثاً على الحقيقة , ومتى وقع الفعل الذي تُوُهِّم أنه حُثَّ عليه فالفعل مسؤولية / مسئولية فاعله ولا يسأل المؤلف عن ذلك .
فإن كان أيٌّ من هذا مما يسوؤك / يسوءك فقد نوهنا به . 



- القصة :

_تمهيد _

لم يكنْ وقوعُ شقة (  لينين الإسكندرانيّ ) في عمارة مكتظة بالسكان في حيٍّ شعبيٍّ حائلاً يحول دون انعزاليةِ صاحبِ الشقة ...
 تلك الانعزالية التي كانتْ دائمًا وقوداً لكثيرٍ من الشائعاتِ التي تداولها جيران ( لينين) عنه .

كان ( لينين ) قد احتفل بعيد ميلاده الأربعين في مايو الماضي وحيداً بلا زوجة ولا أولاد ولا أصدقاء ولا أقرباء ...
وكان عيد ميلاده يصادف عيد العمال , فكم كانتْ فرحة أبيه _المناضل العمّالي _ عظيمةً عندما وُلِدَ ( لينين) في عيد العمّال.. وقرّر الأب أن يسمي ابنه بهذا الاسم : لينين ....
مما جعله مثار سخريةٍ طيلة حياتِه تقريباً ...
وبين الفينة والفينة كان هناك شخصٌ ما يسمع الاسم فيبتسم , وقد يقول شيئاً ينتهي أو يبدأ بـ ( أيها الرفيق ) , أمّا البقية فكانوا يتساءلون في استغراب عن مصدر هذا الاسم  ...
وكان ذلك مما يزيد ( لينين ) غيظاً , فهو لم يرِدْ في حياتِه أكثر من أن يُتْرَكَ وشأنَه .. ولكن اسمَه كان دعوةً مفتوحةً لأسئلة مطوّلة أو نقاش معمّق حول الاتجاه السياسي الذي " يُفْتَرَضُ " أن صاحب هذا الاسم يعتنقه .  

ولذلك ما إن تخرّج ( لينين ) في كلية التربية حتى التحق بالتدريس في مدرسة ( النابغين ) , وأجَّر هذه الشقة المتواضعة , وتبنّى نظام حياةٍ يعتمد على الحد الأدنى من التفاعل مع البشر , فأثناء العام الدراسي كان لا يخرج من شقته إلا إلى المدرسة , وبمجرد مجيء الإجازات كان ينقطع بالكلية تقريباً عن المحيط البشري حولَه ... وظل الأمر على هذه الحالة قريباً من عشرين عاماً , حتى كان يومُ الأحدِ الحادي والعشرين من أغسطس ! 

*******************

( 1 )

يوم الأحد الحادي والعشرين من أغسطس ..

طرقٌ على الباب ...

نظر ( لينين ) من ثقبِ الباب , فلمْ يرَ أحداً ..

وأثناء نظره عاد صوتُ الطرق مجدداً , فجفل ( لينين ) من المفاجأة , وخيِّل إليه أنه سمع صوتَ ضحكة مكتومةٍ ...

كان أي شخص آخر ليدفعه الغضبُ إلى فتحِ الباب ومعرفةِ صاحب الضحكة , ولكن ليس ( لينين ) الذي اكتفى بالانتقال إلى أبعد غرفةٍ عن باب الشقة وَوَضْعِ سدادتي أذن في أذنيه والعودة للقراءة ...

في الواقع لو لم يكنْ ( لينين ) شديدَ التشاؤم والخوف من السلطة ويعتقد أن اسمه سيتسبب في القبض عليه في أيِّ يومٍ ... لو لم يكنْ ( لينين ) يخاف من هذا لما اهتمّ بالرد على طرق الباب ولا على رنين الهاتف ... ولكنه كان يخشى أن يزيد ذلك من تهمة " مقاومة السلطات " أو " عدم الرد على طرق السلطات " أو شيئاً من هذا القبيل , فلذلك كان يهرع إلى الباب إذا طرقه طارق أو يرفع السماعة مباشرة إذا ارتفع رنين الهاتف ...

أما وقد تبين له أن الطارق على الأغلب هو شخصٌ لاهٍ فإنه لا يبالي بذلك البتّة ...

كان ( لينين ) قد بدأ في الانغماس في القراءة عندما عاد صوتُ الطرقِ يخترق سدادتي الأذن , فعادتْ لـ ( لينين ) مخاوفُه ؛ من الذي يجرؤ على طرق الباب بهذه القوة غير السلطات ؟
حاول أن يطمئن نفسَه ففشل , فخرج مسرعاً إلى الباب وقام بفتحِه هذه المرة بدون أن ينظر في ثقب الباب ....

- " صباحَ الخير , هل يمكنني أن أعرض عليكَ أفضل منتجاتِنا التي ... "

سكتَتْ فتاة المبيعاتِ فجأةً عندما علا صوتُ الصخبِ من خلفِها , كان ( لينين ) هو الآخر ينظر في استغرابٍ إلى الجمع المحتشد من الصبيان على السلم المؤدي للطابق الذي يحوي شقتَه ... لم يكنْ أكبرُهم يتجاوز الخامسة عشرة , وقد بدأوا في الصياح الذي تحوَّل إلى معاكساتٍ فجةٍ لم تلبثْ أن تطوَّرَتْ إلى خطواتٍ مسرعةٍ تجاه فتاة المبيعاتِ التي لم تجد مخرجاً تهربُ إليه إلا البابَ المفتوحَ أمامها ....

وربما لم يكن ( لينين ) له حظّ من اسمه , ولكنه لم يكن ليتركَ فتاةً تتعرض لهؤلاء ثم لا يفعل شيئاً , ولذلك فبمجرّد دخول الفتاة للشقة أغلق الباب وراءَها , ونظر في ثقب الباب ليرى ردَّ فعلِ الصبيان ..

بدأ بعضهم ينظر إلى بعضٍ ثم قال قال أحدهم _ الذي يبدو أنه زعيم العصابة _ بصوتٍ تعمد أن يكون مرتفعاً ليصل إلى ساكنِ الشقة :

- " نحن نشقى في الطلب وغيرنا ينال بلا تعب... دنيا! "

لم يكن ( لينين ) متفاجئاً من لغة الصبي , فهو يعمل في التدريس ويعرف هذه النوعية , ولكن بدا له أن الموقف في مجمله غريبٌ ... فهذا حيّ شعبيّ ولكنه ليس بهذه الشعبيّة ... ثم إنه لا يعرف هؤلاء الصبيان في سكان العمارة ....

بدأ زملاء الصبيّ يؤمنون على قولِ صاحبِهم وعلا صياحُهم مرةً أخرى ... ولا بدّ أن صياحهم هذه المرة كان شديد الارتفاع لأن باب الشقة المجاورة انفتح وخرج منه جارُ ( لينين ) _ ( سليم زيادة ) _ الصول المتقاعد مفرط الطول والعرض .... وما إن رآه الصِبْيةُ حتى ولُّوا هاربين , بينما هو يزمزم مغضباً  , ثم دخل شقته وأغلق بابَها خلْفَه ...

عندما اطمأنّ ( لينين ) لرحيل الصِّبْيةِ  التفت إلى فتاة المبيعاتِ التي الواقفة خلفَه .. ثم تملّى في ملامحها مستغرباً, وقال :

- " أنتِ تتحدثين العربية ؟ "

- " تعلمْتُها بالممارسة  "

- " ربما من الأفضل أن تعملي في مجال آخر , أو على الأقل تقتصرين على الأحياء الراقية "

- " إن رئيسي في العمل قال إن فرصة اشتراء الأشخاص العزاب ساكني الأحياء الشعبية من فتاة مبيعاتٍ مرتفعة للغاية وعلينا أن نستغل ذلك  "

نظر إليها ( لينين ) في دهشة , كان يعلم _ بحكم اسمه على الأقل _ أن مديري المبيعات لا تتوقف ألاعيبُهم عند حدٍّ , وأن الجنس بالذاتِ يلعب دوراً كبيراً في التسويق والدعاية والإعلان , ولكنه لم يتصور أن الأمر يصل  إلى استهداف العزّاب الفقراء بفتياتٍ لا يرون أمثالهنّ إلا في التلفاز ...
ثم من أين علموا أنه عازب ؟
تجاهل أفكارَه وسألها عن شيءٍ آخر :

- " لماذا لم تقفي أمام الباب عندما طرقتِه أولَ مرة ؟ "

قالتْ فتاةُ المبيعاتِ وكأنها تستظهر نصًّا محفوظاً :

- " عندما يحاول العميل معرفة الطارق عن طريق النظر في ثقب الباب ثم لا يجد أحداُ فإنه يتوقع أن من يعابثه طفْلٌ أو أحد معارفه وعندما يفتح الباب ويفاجأ بفتاةٍ حسناء فإن عامل المفاجأة يساهم في زيادة فرص اشترائه للمنتج المعروض "

هؤلاء الرأسماليون ! لسْتَ بحاجةٍ إلى أن يكون اسمُك (لينين ) لتكرههم !

 فكَّر ( لينين ) في شيءٍ يقوله , ولكن الفتاةَ بادرَتْه :

- " هل لي أن أستغل شهامتك وأعرض عليك شراءَ منتجاتِنا فتكون قد أنقذتني من هؤلاء الفتية وساهمْتَ في زيادة مبيعاتي في الوقت نفسه ؟ "

ابتسم ( لينين ) رغماً عنه ... ما الذي يقولونه في ذلك المثل ؟ " يموت الزمّار ويده تلعب " أو شيءٌ من هذا القبيل ؟
ثم ردّ في هدوءٍ :

- " أعتقد أن من أنقذكِ بشهامته هو الصول (سليم) جاري , وبإمكانكِ أن تختبري إن كانتْ شهامتُه ستمتد إلى  زيادة مبيعاتكِ , وتطرقي بابَ شقتِه , ولكني أعتقد أنه عاد للنوم , وإيقاظُه ليستْ فكرةً جيدةً ! "

- " هل لي أن أعرض عليكَ المنتج ثم لا تشتريه إذن ؟ إنني لن أغفر لنفسي إن لم أحاول ! "

- " حسناً , إن كنْتِ ولا بد فاعلة "

فتحَتْ الفتاة الحقيبة الضخمة التي تحملها وأخرجَتْ منها ما يبدو وكأنه شاحن للهاتف المحمول , ثم بدأتْ عرضَها , فرفعَتِ الشاحنَ ثم قالتْ :

- " هل سبق لك أن فكرْتَ في السبب الذي يجعل شواحن الهواتف المحمولة ضمن أكثر الإكسسوارات عطباً واستبدالاً ؟
نحن فعلْنا , وتوصلْنا إلى ما لم يتوصلْ إليه أحدٌ غيرُنا ... "

قاطعها ( لينين ) مبتسماً , وقال :

- " لأنكم لو توصلْتُم إلى ما توصل إليه غيرُكم لجاز أن نشتريه من غيركم ولا تستفيدون أنتم شيئاً ! "

- " بالضبط ! وهذا ما نحرص عليه في شركتِنا , أن تكون لنا الريادة فيستفيد عميلُنا بالحصول على أفضل خدمة ممكنة غير متاحة للآخرين , ونستفيد نحن بالحصول على ثقتِه أولاً ثم على مالِه في المرتبة الثانية .... لماذا تزدادُ ابتسامتُكَ اتساعاً , هل سبق لك العمل في مجال التسويق ؟ "

- " لو كنْتِ تعرفين اسمي لما سألْتِ هذا السؤال ! "

- " هل هناك اسمٌ يغني في الإجابة على سؤال "هل تعمل في التسويق" إلا إذا كان اسمُك (ستالين) ؟ "

- " أخطأْتِهِ بالكاد .. ( لينين ) ! " 

- " هذا محالٌ , هل فيك عرقٌ روسيٌّ أو شيئاً من هذا القبيل ؟ "

" لا أعتقد ذلك , على الأغلب فإن أجدادي من الجهتين قد شاركوا في بناء الأهرامات .... ولكن الأيدلوجيا تنقل ما لا ينقله العِرْقُ ... لقد كان والدي شيوعياً "

- " وكذلك أنا كان والدي شيوعياً وبسبب ذلك فإنني أعمل في الشرق الأوسط في مجال التسويق ! سبب ونتيجة ..أليس كذلك ؟ "

- " لا أعتقد أن الرفاق في موسكو الستيناتِ كانوا ليعترضوا ... ما لم يكن هذا الشاحن الذي تبيعونه أمريكياً مثلاً ! "

- " إنه هنديّ في الواقع , من أخطأ العالم الثاني فلا أقل من أن يقع على العالم الثالث ! "

قاطع الحوارَ طرقٌ عنيفٌ على الباب , وعندما نظر ( لينين ) من ثقبِ الباب وجد جمعاً من الجيرانِ يتقدمهم ( سليم ) الصول المتقاعد الذي أُوْقِظَ من نومه للمرة الثانية في يوم واحدٍ ... لا شك أن الأمر جلل ..

فكّر ( لينين ) في سببٍ لاجتماع هؤلاء .. ثم خطرتْ له فكرةٌ مخيفةٌ .. لقد دخلَتْ إلى شقته فتاة حسناء في منتصف العشرينات ... ملامحها غير عربية ... وبقيَتْ في الشقة لدقائق , وهذه عمارة مكتظة بالسكان وهؤلاء الصبية الذين رأوها تدخل ...لعل بعضهم من سكان العمارة , فـ ( لينين ) لا يعرف كل سكانِها بل يراهم في المناسباتِ ... ماذا إذا كانت الشائعاتُ قد وصلَتْ إلى ذلك الشيء الذي تحب الشائعاتُ أن تصل إليه ؟  من سيقتنع حينَها " أننا كنا نتنتاقش في شواحن الهاتف المحمول ! " .... هذا الأمر لن ينتهي على خيرٍ ....

عاد الطرقُ العنيفُ .. ففكر ( لينين ) أن أسلم الحلول أن يفتح الباب مباشرةً , لا معنى لمحاولة إخفاء " أركان الجريمة " , إنّ هذا سيزيد الشكوكَ بلا داعٍ ...

فتح لينين الباب وبمجرد رؤية الواقفين خلفه لجارهم وبجواره الشقراء الحسناء التي لا تزال ممسكةً بشاحن الهاتف المحمول , حتى ابتدأتْ عاصفةُ الانتقاداتْ , ثم علا في وسط تلك العاصفة صوت ( سليم ) الجهوريّ صارخاً :

- " يا أستاذ ( لينين ) هذه عمارة محترمة وسكانها محترمون , وأنت رجل تربي الأجيال .. كيف تسمح لنفسك ؟!! "

- " يا سيادة الصول , لقد كانتْ الآنسة تهرب من هؤلاء الصبية الذين رأيْتَهم قبل قليلٍ وكانوا يريدون ما لا تحمد عقباه , ما الذي كان يفترض بي أن أفعله ؟ "

- " كان يفترض أن تصرخ فيهم كما صرخْتُ فيهم , ولكن لا تسمح لامرأة أجنبية بدخول شقتك ! "

أضافتْ إحدى الجارات المتحمسات :

- " ثم إنك رجل عازب ... وهي : بسم الله ما شاء الله ! ... ثم ما الذي كانتْ تفعله على باب شقتكَ قبل أن يطاردها الشباب ؟ "

كان هذا دورُ الفتاة لتجيبَ على أسئلتِهم :

- " سيداتي سادتي هل لي أن أعرض عليكم أحدث منتجاتِنا التي ستوفر مالكم وجهدكم وتحوز على رضاكم ؛  هل سبق لكم أن فكَّرْتُم في السبب الذي يجعل شواحن الهواتف المحمولة ضمن أكثر الإكسسوارات عطباً واستبدالاً ؟
نحن فعلْنا , وتوصلْنا إلى ما لم يتوصلْ إليه أحدٌ غيرُنا ... "

كان هذا دور ( سليم ) ليقاطعها :

- " كل هذه الشواحن متماثلة حتى النوع الأصلي الذي يأتي في علبة الهاتف المحمول , فقط عليكَ أن تسلم بالأمر الواقع وتشتري واحداً جديداً كل فترة ! "

ردَّتْ الفتاة في حماسٍ :

- " سيدي , لو كان لي أن أخترع آلة زمان , وأدعو نفسك من المستقبل _ بعد أن تستعمل شاحنَنا _ لتقنع نفسك الآن بخطأ هذه الفكرة لفعلْتُ ... فكرةُ تماثلِ كل الشواحن هذه هي ما تريد الشركات المنافسة _بما فيها تلك التي تصنع الشواحن الأصلية_ أن تقنع الناس بها لتخفي إخفاقها ... نحن توصلْنا إلى ... "

هنا جاء دورُ الجارةِ التي لم تنسَ الموضوع الأصلي , فقالت :

- " هل هذا هو سبب كل هذا اللغط ؟ شاحن هاتف محمول ؟! أنا لا أصدق هذه الرواية ! "

بدأ الجيران في الانقسام ما بين مصدق ومكذب , حتى تدخّل الصولُ مرةً أخرى , وقال :

- " أعتقد أن من حق الأستاذ ( لينين ) أن نحترم خصوصيته , ولكن من حقنا نحن أيضاً كجيران وكسكان في هذه العمارة أن نستوثق من هذه الرواية التي تزعم هذه الفتاة أنها الحقيقة ... علينا أن نفتش حقيبتها تلك , لو كان ما تقوله حقيقةً فلن نجد فيها إلا منتجاتٍ معدة للبيع , ولو كانت الأخرى _ لا سمح الله _ فسنجد أشياء لا تليق تستعمل في ذلك الأمر الدنيء ... الحل في تفتيش الحقيبة ! "

بدا الذعر واضحاً على ملامح الفتاة , ولكن ( لينين ) فكر أنه ذعرٌ مبرَّرٌ : التفتيش بدون إذن .... هذا ينمّ عن كوارث أخرى في الطريق , لو لم تكن أجنبية فلربما طالبوا بكشف عذرية أيضاً ...

بدأ التوتر يزداد , ولما بدا إحجامُ الرجال واضحاً عن خطف الحقيبة قسراً من يد الفتاة , فقد تكفلَتِ الجارةُ بالقيام بهذه المهمة , وانتزعتِ الحقيبةَ من يدها وبدأتْ في إخراج محتوياتِها على الملأ ؛ عدداً ضخماً من علب الشواحن.... ومحفظة ؛ وبدأتِ الجارةُ في فتحِ المحفظة فعلَا صوتُ احتجاج فتاة المبيعاتِ ولكن بلا جدوى .... ثم بدأتْ محتوياتُ المحفظة في الظهور ؛ أحمر شفاه , ومرآة , وبضعة جنيهاتٍ , وهاتف محمول , وبضعة بطاقات ليس في أيٍّ منها عنوان جهاز مخابرات أجنبي ...... وواقٍ ذكريّ !

وهنا علَتْ صيحاتُ النصرِ , وكأن الجيران قد عثروا على قنبلة نووية , وأوشك أحدهم أن يتصل بالأجهزة الأمنية , ولكن آخرين أقنعوه أن هذه ليستْ تهمةً بالضبط !

ولكنْ الصول توجّه ببصرِه إلى ( لينين ) وقال :

- " أعتقد أن الحقيقة قد ظهرتْ بجلاءٍ يا أستاذ ( لينين ) "

- " ما الذي ظهر بجلاءٍ ؟ "

- " أن اجتماعك مع هذه المرأة لم يكن اجتماعاً بريئاً "

- " بناءً على ماذا بالضبط ؟ "

تدخلَتِ الجارةُ في حماسٍ :

- " بناءً على إغلاقِكَ على نفسكَ باب شقة ليس فيها إلا رجل وامرأة وحدهما , ثم وجود هذا " ورفَعَتْ يدها بالواقي الذكري " معكما ! "

حاولَتِ الفتاة التدخلَ , ولكن ( لينين ) كان قد ملَّ هذه اللعبة , فقرَّر أن يساير الجمع , فسأل الجارة :

- " ليستْ هذه هي النقطة , وإنما السؤال ما الذي يجعل اجتماع رجلٍ وامرأةٍ وحدهما تهمةً في حقي وليس تهمةً في حقكِ أنتِ وزوجكِ ؟ "

نظرَتْ إليه الجارةُ وكأنها تنظر إلى مجذوب ثم قالتْ :

- " لأنني أنا وزوجي متزوجان "

- " وأنا و(ناديا) متزوجان عرفيًّا , ووالداها في سانت بطرسبرج يعلمان ذلك وأهلي أنا يعرفون ذلك فزواجنا مُشْهرٌ عند من يعنينا أمرُه , فليس ذنبي أنني لا أريد أن يعرف جيراني الطفيليّون أنني متزوجٌ من أجنبية ! "

كانتْ ملامحُ الجيران توحي بأنهم يريدون استمرار الجدلِ وطلب القرائن , ولكن الصول _ الذي صار زعيماً للجمهرة بصورة أو بأخرى _ قرَّرَ أن هذا أمرٌ مختلفٌ عن ذاك , فقال في هدوءٍ :

- " إن كان هذا هو الأمر فهذا حقك وليس لأي منا أن يتدخل فيه , ونحن آسفون على إزعاجكما .. "

ثم أخد الحقيبة بمحتوياتها من الجارةِ وسلّمها لـ ( لينين ) , وقال موجهاً حديثه لمن صارت ( ناديا ) رغم أنفها :

- " المعذرة يا مدام ( نادية ) "

ثم انصرف , فانصرف معه الجمعُ , وأغلق ( لينين ) البابَ خلفَه , فابتسمتْ "ناديا " له وقالتْ :

- " ناديا ؟ "

- " أتفضلين (ناديتشدا) ؟ إنني لم أستطع التفكير في اسمٍ آخرَ لزوجة ( لينين ) سوى زوجة ( لينين ) ! ما اسمك على أية حال ؟ "

- " (سفيتلانا)  "

- " حسناً يا آنسة (سفيتلانا) , بما أن هذه الملحمة قد انتهَتْ على خيرٍ , فربما ترغبين في العودة لمهمتك في إقناع زبائن آخرين بجودة شواحنكم "

وهمّ ( لينين ) بفتح الباب , ولكن ( سفيتلانا ) بادرَتْه :

- " مهلاً ! ألا يظن جيرانُكَ أننا متزوجان واجتمعنا بعد غيابٍ , ومن ثم فإن خروجي مباشرةً سيثير شكوكَهم في تلك الرواية ؟ "

تصوَّر ( لينين ) منظر جاراتِه في الطابق وقد استمعن للغط , ووقفن خلف ثقوب أبوابهن في انتظار خروج أحدٍ من شقتِه ... معها حقّ ... ليس من الآمن أن تخرج الآن ... ولكن ماذا يفعلانه إذًا ؟

استغرقه التفكير برهةً , فقالتْ ( سفيتلانا ) :

- " هل أستطيعُ استعمالَ دورةَ المياه رجاءً ؟ "

كان ذهنُ ( لينين ) لا يزال مشغولاً بالجيران وما يعتقدون أنه يَحْدُثُ في شقته , فسأل في قلقٍ :

- " لماذا ؟ "

نظرَتْ إليه ( سفيتلانا ) في دهشة لا تخلو من استمتاع , ثم قالت ساخرةً :

- " لأتجهز استعداداً لليلتنا الحمراء ! " ثم هزَّتْ رأسَها في عدم تصديقٍ وأضافَتْ : " بل لأسباب طبيعية لا علاقة لها بالجنس , هل لي .. رجاءً ؟ "

- " بالطبع , أنا آسف ... في نهاية هذا الرواق الباب المقابل لنا .. "

- " شكراً "

ما إن أغلقَتْ ( سفيتلانا ) البابَ خلفها , حتى عاد القلقُ يساور ( لينين ) ... فتاة روسية .. تعمل في المبيعات ... في مصر ؟! ... ثم أيّ ممارسة تسمح لشخص بتعلم اللغة بهذا الإتقان ؟! ما لم يكن زملاؤها في العمل من لغويي البصرة ! ...

كانتْ الشكوكُ قد وصلَتْ حداً لا يطاق , وفكر ( لينين ) في أن عليه أن يصارحها بالأمر ... ثم انتبه إلى أنها تركَتْ حقيبتَها عندما توجهتْ إلى الحمام ... وحاول ( لينين ) أن يمنع نفسَه , ولكن خوفَه المرضيّ من المشاكل قد دفعه إلى فتح الحقيبة ليتأكّد من صحة روايتِها ... لقد فتَّشَتْ جارتُه الحقيبةَ قبل قليلٍ ... ولكن الأمر يختلف عن تفتيشه هو لها ؛ فخلافًا لجارتِه فهو يعرف مبادئ الروسية !

تجاوز علب الشواحن , وذهب مباشرةً للمحفظة ثم إلى البطاقاتِ ؛ كانتْ إحداها مكتوب عليها بالعربية وتشير إلى شركةِ مبيعاتٍ بالتجزئة ... هذا يطابق الرواية .. وثلاث بطاقات أخرى عليها عناوين أشخاصٍ ما بالعربية أيضاً وتتعدد وظائفُهم ما بين طبيب ومحامٍ ومقاولٍ ... لم يجد كلمةً واحدةً بالروسية .. ثم تنبّه إلى أنه لم يجد أيَّ إثباتِ شخصيةٍ لها ... ألا يفترض أن يوجد جوازُ سفرٍ في مكانٍ ما ؟ .. ربما أبقَتْ هذا معها .. ولكن أبقتْ هذا معها أين ؟ إن ما ترتديه شديد الضيقِ بحيث يستحيل تقريباً أن تدس جواز سفر في أحد جيوب بنطالها الملتصقِ برجليها أو قميصها الضيق والخالي من الجيوب على أية حال ... شخص أجنبي يتجول في بلد بدون إثباتٍ ... ربما لم يكن من الوسوسة والعداء للأجانب أن يعتقد أن وراءَها سرًّا ما ...

كان ( لينين ) قد استغرق في أفكارِه فلم ينتبهْ إلى فتح باب الحمام ولا إلى انتقال ( سفيتلانا ) إلى حيث يقفُ , وكاد يهوي إلى الأرض عندما فاجأتْه يدُها التي وضعتْها على كتِفه , فالتفت إليها في ذعرٍ ليجدها مبتسمةً , وقالتْ :

- " الفضول قتل القطة ؟ "

- " دعينا نأملْ أن يقتلها الفضولُ وليس امرأة مخابرات أو قاتلة محترفة لا تحمل جوازَ سفرٍ أو إثباتٍ من أي نوعٍ ! "

لدهشتِه فقد أدخلَتْ ( سفيتلانا ) يدَها في جيب البنطال ... هذا الشيءُ قابلٌ للمطِّ على الذي يظهر .. لأنه بدا للوهلة الأولى وكأن هذا الجيبَ حلية غير قابلة للاستخدام , ثم أخرَجَتْ ما بدا وكأنه جواز سفرٍ .. وسلَّمَتْه له ... وجد ( لينين ) نفسَه يتناوله في لهفةٍ ليرى شعار الدولة الروسية واضحاً على الغلاف ثم بدأ في التقليبِ في أوراقِه فوجد صورتَها واسمَها وتأشيرةَ الدخولِ ....

شعر ( لينين ) بالاستياءِ البالغِ وقبل أن يعتذر وَجَدَها تقول :

- " لقد نصحني بعضُ " أهل الخير " ألا أترك هذا في الحقيبة لأن السرقات شائعة هنا ؛ بدا لي أن في ذلك عنصريةً ما , فاللصوص موجودون في كل مكانٍ , ولكني أخذْتُ بالأحوطِ وصرْتُ أحمل جواز سفري في جيبي دائماً  "

كان لا يزال هناك بقيةٌ من شكٍّ في ملامح ( لينين ) ففطنَتْ ( سفيتلانا ) لذلك , وقالتْ :

- " والدي شيوعي متعصب ... ولكن والدتي الكازاخية والتي تنتمي إلى أسرة عريقة من رجال الدين الإسلامي قد حرصَتْ _ حفاظاً على تقاليد أسرتِها _ أن تعلمني سرًّا مبادئ اللغة والدين ... لم أهتمّ كثيراً بالدين , ولكني كنْتُ معجبةً باللغة فواصلْتُ تعلمها ذاتيًّا فيما بعد "

- " حسناً أنا أعتقد أني مدينٌ لكِ باعتذارٍ ... ولعل من الأسلم ألا تغادري وحدكِ , فهؤلاء الصبية قد يكونون في انتظاركِ في الأسفلِ , دعيني أقلكِ إلى حيث تريدين . "

- " ماذا عن الجيرانِ ؟ "

- " إن خروجنا جميعاً لن يطعن في روايتهم بل يؤكّدها .. سأرتدي شيئاً صالحاً للخروج ثم نذهب .. "

- " بمناسبة اعتذاركَ فهل لي أن أعرض عليكَ إحدى الشواحن ... "

قاطعَها ( لينين ) مبتسماً :

- " لا ! "

ثم توجّه إلى غرفتِه ليغير ملابسه , وما إن أغلق بابه حتى التقطَتْ ( سفيتلانا ) الصف الأخير من علب الشواحن وفتحتْها لتخرج منها ما بدا أجزاءً قابلة للتركيب سرعان ما جمعتْها معاً ليظهر المنتج النهائي ... مسدسٌ ! ثم فتحتْ علبةً أخرى وأخرجَتْ منها عدداً من الطلقاتِ وضعتْها في المسدس ... وعندما فتح ( لينين ) البابَ وجد المسدسَ مشهراً في وجهه , نظر في ذعرٍ للمسدس ولملامح ( سفيتلانا ) التي تخشَّبَتْ حتى كأنها ليس وراءَها إنسانٌ , وسمعها تقول في هدوءٍ :

- " لقد كان المفروض أن يتم هذا الأمر بسلاسة , ولكن على أية حالٍ, ها نحن أولاء .... عدنان عادل السعيد "

- " من هذا ؟ "

- " ابن أختك ! "

فكَّر ( لينين ) في الأمر , فوجد الاسم مألوفاً بعض الشيء ... إن زوج أخته اسمه الأخير السعيد , وإن كان لا يذكر اسمَه الأول , ولكنه واثقٌ من أن ابنهما اسمه عدنان ... لقد كان اسماً غير مألوفٍ ولذلك استقرّ في ذاكرتِه ... ولكنه لم يرَ أختَه ولا ابنَها من سنين , إنه حتى لا يعرف سنَّه بالضبط  ...فما علاقتُه بالأمر ؟

- " وما الذي تريدينه مني ؟ "

- " ببساطة أن تقنع زوج أختِك بأن يعمل ابنُه معنا ! "

- " ومن أنتم بالضبط ؟ ثم يعمل معكم ماذا ؟ على أية حال إن ظروف العمل صعبة هذه الأيام لو عرضتم عليه الأمر مباشرةً فلعله يوافق ! "

ظلَّتْ ملامح ( سفيتلانا ) متجهمةً وقالتْ :

- " لا أحدَ يتركُ ابنَه يعمل مع " جهةٍ أجنبيةٍ " بهذه البساطة , نحن نريدك أن تقنع نسيبكَ أننا مؤسسة علمية تريد صقل خبراتِ ابنِه ومواهبِه لقاء توظيفِه فيها فيما بعد "

- " وهل أنتم مؤسسة علمية تريد صقل خبراتِ الشباب ؟ "

كادتْ الملامح المتجهمة أن تنفرج عن ابتسامة ولكنها لم تفعل , وأجابَتْ ( سفيتلانا ) بنفس الجمود :

- " إن كان هذا سيجعلك تنام هادئَ البالِ .. , ثم إن ( عدنان ) _ كما يفترض أن تعرف _ ليس شابًّا ؛ إنه طفل في السابعة "

- " وما الذي تريدونه من طفلٍ في السابعة ؟ "

- " لقد كشف عن قدراتِه الفذة عندما اخترق حواسبَنا قبل شهرين , ولقد عانينا الأمرّين حتى نصل إلى مكانه ونتوصل إلى هويته , والآن نرغب في تجنيده ليعمل لحسابِنا ويخترق حواسب أعدائنا "

- " أعتقد أنكم لو عرضتم عليه مقابلاً مادياً فلن يمانع هو ولا أبوه ! "

- " أنت لا تفهم السوقَ يا سيد ( لينين ) , حتى الآن هذا الطفل لا يزيد ما يفعله على العبثِ غير الموجّه , ولكن لو عرضنا عليه مالاً وبدأ يستوعب هو وأسرتُه ما يمكنه أن يجنيه من وراء إمكاناتِه تلك , فسرعان ما سيتطلع إلى عروضٍ أخرى من جهاتٍ أخرى , وقد يطغى فيه الحس الوطني فيقبل عرضاً من دولتِه حتى لو كان أقل قيمةً ... لا يمكننا أن نسمح بهذا ! "

- " فما الذي تريدونه بالضبط ؟ "

- " ستزور أختكَ وزوجها ... سيتسغرب من زيارتِكَ له وأنت المعروف بانطوائيّتِك ... ستخبره أن هناك مسابقةً من شركة دولية متخصصة في الأمان الإلكتروني  وأن مدرستُك قد أبْلِغَتْ بهذه المسابقة المعدّة من أجل اكتشاف المواهب الدفينة في مجال الحاسب الآلي لدى جميع الطلاب الذين تقل أعمارُهم عن ثمانية عشر عاماً ... ستقول إن أحد أقربائك قد أسرّ لك في إحدى المناسبات أن ابن أختك هو أحد هذه المواهب الدفينة ... وأنك زرْتَ زوج أختك لتعرض عليه الأمر ... وستطلب منه أن تذهب بابنِه إلى مكان إعداد المسابقة ... وعندها سنتولى نحن بقية الإجراءات .. "

- " ما الذي ستفعلونه بالطفل ؟ "

- " لا شيءَ ؛ إنه يرغب في اختراق الحواسب الآلية صعبة الاختراق , ونحن نرغب في اختراق حواسب آلية معينة صعبة الاختراق ... سنتيح له أجهزة ذات إمكانيات عالية لتحقيق رغباتنا المشتركة .. "

- " لو كان هذا الطفل بهذا الذكاء ألا يفترض أن يستوعب من أنتم ؟ "

- " حتى لو فعل , فلن يصدقه أحدٌ ؛ توقع طفلاً في السابعة يقول أنه اخترق موقع جهاز مخابراتٍ ما , وعندما يسألون البالغين من أقربائه سيجيب هؤلاء بأنه كان في تدريب أعدَّتْه شركةٌ دولية لأمان الحاسب ... حينها سيعتقد الجميع أن الطفل قد صدَّق أن التدريب حقيقة , وَخَلَطَ بين اللعبة والواقع ؛ لا خطر من هذه الجهة "

- " ولماذا أنا ؟ "

أنزلَتْ ( سفيتلانا ) المسدس ووضعَتْه على الطاولة , ثم قالتْ :

- " لأننا نعلم كيف نضمن ولاءَك ؛ لقد كان المسدس من أجل ضمان إنصاتِك لما أقوله , أما ضمان ولائك .. فإن هذا لم يتغير كثيراً عن أيام ( ستالين ) "

- " هل ستعودون لإعلان شيوعية الدولة وتضمّون إلى صفوفكم هؤلاء الراغبين في تحقيق جنة البروليتاريا على الأرض ؟  "

- " حتى لو فعلْنا , فلا أعتقد أنك كما يوحي اسمُك ؛ أنت لستَ من هؤلاء المولعين بتحقيق ثورة البروليتاريا والقضاء على الرأسمالية ... ولكن هناك شيئاً آخر أنت مولعٌ به , ولعله السبب في مقاطعتكَ للناس وعدم زواجِك حتى بلغت هذا السن ! "

لم يكنْ ( لينين ) يرغب في التفكير حتى فيما ستقوله ... لقد اكتشفوا مكان ابن أختِه الذي استطاع اختراق حاسبهم , فكيف بـ ( لينين ) الذي تعلم قبل شهرٍ واحدٍ فقط كيف يتصفح الإنترنت ؟ ..
عندما "اكتشف " ( لينين ) الإنترنت لأول مرة دُهِش من كمِّ المعلومات التي يستطيع الوصول إليها بنقرة زر .... ثم وسوسَتْ له نفسه _ ولعل هذا ما تشير إليه ( سفيتلانا ) _ أن يرى إن كان هناك أشخاصٌ آخرون يشاركونه الرغبة في ( ذلك الشيء) ... ذلك الشيء الذي أخفاه ( لينين ) عن أعين الجميع ... وأبعد هو ( لينين ) عن الاجتماعياتِ ما أمكن ... إنه مدينٌ بعزلتِه وانطوائيّتِه إلى حدٍّ كبيرٍ إلى ذلك الشيء .

والآن تقول هذه الحسناء التي تبدو وكأنها قد خرجتْ من فيلم سينمائي أنها تعلم ما يضمن ولاءه , وأن هناك ( شيئاً آخر) سيجعل ارتباطه بهم كارتباط الشيوعيين بالاتحاد السوفيتي ... لا شك أنها تعني ما يفكر به .. جاءَه الصوتُ الصارمُ :

- " نحن لا نقدّم في المعتاد خدماتٍ من ذلك النوع , ولكن بالنظر إلى ضخامة ما نتوقع الحصولَ عليه من ابن أختك , فإننا على استعدادٍ لتقديم استثناءاتٍ "

ثم أخرجَتْ من الحقيبة بطاقةً وسلَّمَتْها له , نظر فيها فوجدها البطاقة التي تحمل عنوانَ المقاول , وقالتْ له :

- " غداً اذهب إلى هذا العنوان في الرابعة عصراً, سأكون بانتظارك هناك , وسنخبرك بتفاصيل ما نطلبه منك .. أي أسئلة ؟ "

- " لا ! "

- " حسناً ! "

وحملَتْ ( سفيتلانا ) الحقيبة وتوجهَتْ إلى الباب وفتحتْه وخرجَتْ , ولم يفكر ( لينين ) في أن يصاحبَها لـ"تأمينِها " بل على العكس إنه يرجو من أجل سلامة هؤلاء الصِبْيَةِ أن يكونوا قد انصرفوا ؛ لقد أحسنَتْ التظاهر بالضعف والرقة حتى اعتقد في البداية أنها بالفعل بحاجة لمن يحميها , أما عندما ظهرَتْ له حقيقتُها وقسوةُ ملامحِها فقد بدا له أنها أقدر على أن تحميه منه على أن يحميَها ... أو لعل هذه الحالة الثانية هي التمثيل وما تظاهرَتْ به , بينما حالتُها الأولى كانتْ هي حقيقتَها ؟

 في كلتا الحالتين عندما تريد هذه الفتاة أن تُرْهبَ من أمامَها _سواءً كان ذلك تظاهراً أو حقيقة_ فإنها تنجح في ذلك ...

ثم بدأ يفكَّر فيما قالتْه ...
تُرى ما الذي يخفيه له لقاءُ الغدِ ؟
لا سبيل أمامَه ليعرفَ غيرُ الانتظار ...

*****************************

( 2 )
يوم الاثنين الثاني والعشرين من أغسطس ..


حاولَتْ ( سفيتلانا ) أن تمنع نفسَها من التفكير فيما يوشك أن يقع , فلم تفلحْ ..
وبدأتْ تستعيدُ ذكرى لقائها بالعقيد ( أنتون بوندريوف ) قبل أيامٍ عندما أطلَعَها للمرّة الأولى على تفاصيل المهمة الموكلة إليها ...
كانتْ تعلم أنه _يوماً ما _ ستضطر للقيام بمهمة من تلك المهمات , ولكنها لم تتصور أن يأتي ذلك اليوم بعد أقل من سنة على التحاقها بالخدمة ...
كان ( بوندريوف ) يتحدث في ثبات عن أهمية الطفلِ وحاجتِهم لتوظيف مهاراتِه الاستثنائية بشكل عاجل مع تفاقم الأحداث العالمية وعودة العمل الاستخباراتي للواجهة ... ثم تحدث في عجالة _ وكأن الأمر لا يعنيه _ عن متطلباتِ تلك العملية التي تستدعي نوعاً من التضحية من جانبِها ... وردَّتْ هي في سرعةٍ أنها مستعدة للتضحية بروحِها في سبيل بلدِها , وردّ هو على حماسها بابتسامة حاول جاهداً ألا تكون ساخرةً ... وعندما عادَتْ لغرفتِها وقرأَتْ تفاصيلَ المهمة فطِنَتْ لسبب ابتسامتِه الساخرة ... لم تكن التضحية من ذلك النوع , لقد كانتْ تضحيةً أخرى ؛ إن عليها أن تلبي رغباتِ رجلٍ لا تعرف عنه شيئاً من أجل ضمان تعاونِه ... وبدا لها الأمر غريباً ؛ لماذا لا يجبرونه على التعاونِ .. لماذا يخطبون ودَّه ؟

ثم إن هناك شيئاً آخر لا تريد ( سفيتلانا ) أن تصارح به نفسَها ؛ فهذا الشيءُ الذي يطْلَبُ منها القيامُ به لأجل بلدِها ... قد تكون مستعدةً للقيام به حتى لو لم تكن بلدُها بحاجة إليه ... في الواقع لو بلغَتْ صراحتُها مع نفسِها حداً فائقاً لقالَتْ إنها ترغبُ في القيام به حتى لو كان في ذلك ضررٌ يلحق ببلدِها ... فهل كانتْ القياداتُ العليا على علمٍ برغباتِها تلك عندما اختارتْها لهذه المهمة ؟
هي ترجو أن تكون الإجابة بـ لا , لأنها لا تريد أن ينكشف هذا السر لأحدٍ ...

قاطعَ تواردَ أفكارِها اقترابُ رجلٍ فارع القامة منتفخ العضلاتِ منها , ثم قال :

- " كل شيءٍ جاهزٌ , عندما يأتي العميلُ سنبدأ في إخباره بمهامه ثم بعد ذلك سيأتي دورُكِ ... لقد وضعْنا كاميراتٍ تغطي كاملَ الغرفةِ فلا تقلقي .. "

نظرَتْ إليه ( سفيتلانا ) في ذهولٍ :

- " كاميرات ؟ لماذا ؟ "

- " أوامر القيادة , لا يمكن أن نعرضكِ لهذا الخطر بدون أن نطّلع على ما يحدث في الغرفة حتى نتدخل إن دعَتِ الضرورة , كما أن المسئولين عن التدريب في الجهاز يريدون أن يحتفظوا بالواقعة مسجلةً ليطلعوا الملتحقين الجدد على مقدار التضحياتِ التي عليهم أن يقدموها فيما بعد "

كانَتْ ( سفيتلانا ) تتمنى أن تنشق الأرض وتبلعها .. ليس فقط زملاءَها هم من سيرى ما سيحدث , وإنما الأجيال القادمة كذلك !
عاد صوتُ الرجل ليقول في برودٍ :

- " لقد رأتِ القيادة أن نضع كلمة سر لتقوليها إذا احتجْتِ إلى أن نتدخل ونوقف العملية ! وكلمة السر هي ( أوقفوا العملية )  "

- " أعتقد أنني قادرة على حماية نفسي , شكراً "

ثم فطَنَتْ ( سفيتلانا ) إلى شيءٍ في كلامه , فسألتْه :

- " هل سيكون ما يحدث مسجلاً بالصوت والصورة ؟ "

- " بالطبع ! هذه هي أوامر القيادات العليا  " ثم ضغط على سماعة أذنه بيده , وأنصت لثوانٍ ثم قال لها : " لقد جاء العميل , ربما عليكِ الانتقال للغرفة والاستعداد ! "

فانتقلَتْ ( سفيتلانا ) للغرفة واستعدَّتْ ؛ وإن لم تدرِ ما الذي عليه فعلُها بالضبطِ ؛ لقد تركوا لها الحرية في اختيار ما تريده من الملابس , فقرَّرَتْ أن ترتدي فستاناً طويلاً بلا أكمامٍ مما يُرْتدى في السهراتِ , وصفَّفَتْ شعرَها ووضعَتْ مكياجها ليتناسب مع ذلك...
وحاولَتْ أن تدركَ مكانَ الكاميراتِ الموضوعة في الغرفة إلا أنها فشَلَتْ في ذلك , فقد وضعوها باحترافية شديدة , ثم إن الغرفة كانتْ ضخمةً وملأى بالأثاث والإكسسوارات مما صعَّب المهمة...

كانتْ الغرفةُ مؤثثة أثاثاً أثريًّا لعله يرجع إلى حقبة  الثلاثينات أو الأربعينات , وبالنظر إلى ما كانتْ ( سفيتلانا ) ترتديه فقد بدا وكأنها على وشْكِ تصوير مشهد في فيلم عن الحرب العالمية الثانية ...

ويبدو أن التعليمات لم تكن بهذا الطول , فقد فوجئتْ ( سفيتلانا ) بالباب يُفْتَح بينما هي جالسةٌ على السرير ...

وعندما دخل ( لينين ) توقَّف مكانَه مشدوهاً من منظر الغرفة ومن ( سفيتلانا ) التي بدا جمالها أخاذاً في فستانها وجلستها على السرير , وحاول أن يقول شيئاً فعجز عن ذلك , فابتسمَتْ ( سفيتلانا ) وقالتْ _ وهي تعلم أن ما تقوله مسجلٌ بالصوت والصورة _ :

- " هل أعجبتْكَ الغرفةُ ؟ "

- " أعتقد أنني منشغلٌ عن الغرفةِ بمن فيها "

تخيَّلَتْ ( سفيتلانا ) منظرَ زملائها وهم يضحكون لهذا الرد , فحملَتْ نفسَها حملاً على أن تقول :

- "  هل هذا إطراءٌ لي أم إعجابٌ بالنفسِ ؟ "

ضحك ( لينين ) وهو يقول :

- " ملحوظةٌ جيدةٌ ... ربما عليّ أن أخرج من الغرفة وأعيد تكرار هذا التعليق ليتضح ما قصدْتُه "

قالتْ ( سفيتلانا ) في دلالٍ _ وهي تلعن من فكَّر في وضع كاميرات في الغرفة_ :

- " وما الذي قصدْتَه ؟ "

- " أنكِ أجملُ شيءٍ وقعَتْ عليه عيناي "

كان هذا فوقَ قدرةِ ( سفيتلانا ) على التحمل , إنها تكاد تسمع في خيالها صوتَ القهقهة من الجالسين خلف الشاشات للفرجةِ عليها وعلى هذا العاشق الولهان  .

فقالتْ في هدوءٍ :

- " هل يمكننا أن نكمل هذا الحوارَ في شقتِكَ ؟ "

نظر إليها ( لينين ) في استغرابٍ , وقال :

- " شقتي ؟ .... أعني ....لقد هنأني الجيران صباح اليومِ بزواجي الذي انتشر خبره كما تنتشر النارُ في الهشيمِ .. لقد رغبوا حتى في مقابلتِكِ فأخبرْتُهم أنكِ نائمة , لذا لا أعتقد أن هناك مشكلةً في عودتنا .... ولكنّ المكان ضيقٌ والجيرانَ قد يسمعون .... أعني أنا لا أفترض أن شيئاً سيحدث بيننا ... ولكن ... "

قاطعَتْه ( سفيتلانا ) :

- " صدقني إن كنْتَ تخشى من أن يسمعنا الجيرانُ فهذه الغرفة هي آخر مكانٍ ترغب في البقاء فيه " ثم بدا لها أنها كشفَتْ أكثر مما ينبغي , فقالتْ : " إن الجدران رقيقة للغاية وفي الخارج _ كما رأيتَ _ هناك خلية نحل من العاملين تنتقل طيلة الوقت هنا وهناك ... دعنا نذهبْ إلى شقتكَ ! "

- " حسناً إذا كان هذا ما ترغبين فيه "

- " حسناً .. اسبقني أنت إلى سيارتِك وسألحق بك في الحال .. "

خرج ( لينين ) وهو لا يدري إن كان أخطأ في شيءٍ .. وبدأ يفكِّر في أنه ربما غالى في هذه " المعاكسات" لها ... ولكن أليس يفترض أن بينهما اتفاقاً ما ؟ .. مهما كانَتْ عدمُ أخلاقية ذلك الاتفاق .. قد لا تكون هي راغبةً في أن يقع بينهما شيءٌ ولكنه أيضاً غير راغبٍ في أن يعمل لحسابهم ... بمعنىً من المعاني فالجميع يتخلى عن مبادئه في هذه المبادلة .. 

في تلك الأثناء كانتْ ( سفيتلانا ) تخوض نقاشاً محتدًّا مع رئيسِها الذي أصر على الالتزام الحرفي بالتعليمات الصادرة من أعلى , بينما ( سفيتلانا ) تخبره أن لا سبيل إلى وقوع شيءٍ بينها وبين " العميل " بينما هي تعلم أن العيون تراهما وأن ما تقوم به مسجَّلٌ لتراه مزيدٌ من العيون في المستقبل ...

وعندما رأى رئيسُها إصرارَها وافق على ذهابها معه , ولكنه اشترط أن يتأكّد من تمام المهمة بعد أن تعود , فسألتْه في استغراب :

- " وكيف ستتأكد من ذلك ؟ هل تريد أن تتصل بـ ( لينين ) وتسأله عما حدث ؟ "

- " ( لينين ) ؟! ما علاقة ( لينين ) بمعرفة ما سيحدث ؟ "

نظرَتْ إليه لثوانٍ ثم فطنَتْ إلى أنه لا يعرف اسم "العميل" فقالتْ :

- " العميل اسمه ( لينين ) .. ما علينا ... كيف يفترض أن تعلم أنني أكملْتُ مهمتي ؟ "

ابتسم رئيسُها في خبثٍ , وقال :

- " لقد قرأْتُ الملفَّ , ويبدو أن ما يريد ( لينين ) أن يفعله يترك آثاراً يسهل الاطلاع عليها فيما بعد , وأنا أريد أن أرى ذلك ! "

نظرَتْ ( سفيتلانا ) في ذهولٍ , ثم قالتْ في تحدٍّ :

- " أتريد أن أكشف لك مؤخرتي عندما أعود ؟! هل جننْتَ ؟! "

- " فمن أين لي إذن أن أعرفَ أنكِ لم تتنصلي من واجباتكِ وتهددي ( لينين ) بأن يسكت وإلا .... نحن نريد شراءَ ولائه وليس تهديده ؛ التهديد قد يُضْمَنُ إزالتُه من قبل منافسينا , وحينَها ستفشل المهمة كلُّها ! "

لم يخفَ على ( سفيتلانا ) أن الدافع وراء طلب رئيسِها ليس بهذه " العقلانية " التي يحاول أن يظهره بها , ولكنها قرَّرَتْ إرجاء هذه المعركة فيما بعد , فقالتْ :

- " أنا لا أقول أنني موافقة على ذلك , ولكني تأخرْتُ وقد يثير ذلك قلقَه , سنكمل هذا الجدالَ فيما بعد "

وانصرفَتْ ( سفيتلانا ) وهي تكاد تقسم أن عيني رئيسِها محدقة بمؤخرتِها , ولكنها لم تشأ أن تلتفتَ لتحقق مخاوفَها .. ثم فطِنَتْ أنها لا تزال ترتدي فستان السهرة ... فقرَّرَتْ تأخيرَ ( لينين ) بضعة دقائق حتى تغير ثيابها وترتدي ما كانتْ ترتديه البارحة ..

وعندما وصلَتْ إلى سيارتِه استقلَّتْ المقعد المجاور له في السيارة دون أن تقول شيئًا, وملامحها لا تزال غاضبةً من حوارِها مع رئيسِها , ونظرَتْ جهةَ ( لينين ) فوجدَتْه هو الآخر باديَ الحزنِ , وقال لها :

- " أنا آسف أنني اضطررْتُكِ لكل هذا ؛ أنا أعرف أنكِ مدفوعةٌ دفعاً للعب هذا الدور من أجل الحفاظ على وظيفتكِ , والآن عندما أنظر إلى استيائكِ بسبب ما أنتِ مقدمةٌ عليه لا أستطيع أن أسامح نفسي , بإمكاننا أن نذهب إلى شقتي حتى يقتنع رؤساؤكِ أننا فعلْنا ما يتوقعونه , ولكنني أقسم لكِ أنني لن أفعل أي شيءٍ ؛ أعني أنا لسْتُ بحاجةٍ إلى قسمٍ فأنتِ أقوى مني جسديّاً بالتأكيد ... ولكن ما أٌقصده ... "

قاطعتْه ( سفيتلانا ) مبتسمةً :

- " لا علاقة لكَ بسبب استيائي ... في الواقع هذا ليس دقيقاً ؛ إنك متسبب في استيائي ولكن من طرفٍ بعيدٍ ؛ السبب المباشر هو رئيسي في العمل "

- " لأنه دفعكِ إلى القيامِ بما تكرهينه  "

- " من قال إنني أكرهه ؟ "

تجمد الهواء للحظة بينهما , ثم لأول مرة منذ زمنٍ طويلٍ  _ وبدون تمثيلٍ أو ادعاءٍ _ احمرَّتْ وجنتا ( سفيتلانا ) خجلاً , وقد فطنَتْ إلى ما صرَّحَتْ به قبلَ قليلٍ , ثم رأتْ أن تتمادى فقالتْ :

- " أنا لا أكرهه بل في الواقع أنا أرغب فيه جداً ... ولكن ما جعلني أستاء ... هو أنه يريد التأكد من وقوعه  "

- " كيف ؟ "

- " إنه يريد أن أرِيَه مؤخرتي بعد أن تفرغ من عقابها ! "

كان خداها قد صارا قرمزيين خجلاً , فقال :

- " لا أعتقد أنني سأسمح له بهذا ؛ لا صورةَ ... ولكن لا بأس بالصوتِ "

لم تكن ( سفيتلانا ) تجهل ما يعنيه , ولكنها سألَتْ والحياء يكاد يعقد لسانَها :

- " صوت ؟ "

- " بإمكانِكِ أن تتصلي به أثناء عقابكِ وأن يستمع لجزءٍ منه.  لـ " يتأكد" من أنني عاقبْتُكِ أو ليشبع رغبتَه أو أياً يكن ما يريده ذلك المنحرف ! "

ضحكَتْ ( سفيتلانا ) رغماً عنها , وقالتْ :

- " هو المنحرف ؟ "

- " بالطبع ؛ أنا أعلنْتُ قبل قليلٍ رفضي لتعريضكِ لما لا ترغبين فيه _ على الرغم من أنني سرْتُ في ذلك الطريق لفترة قبل أن أرعوي _ وأنتِ أعلنْتِ أنك ترغبين فيه , وبهذا انتفى الانحراف عني وعنكِ , بقي ذلك الوغد الذي أقحم نفسَه في الأمر رغماً عنكِ , وعليه فهو منحرف ! "

ازداد تورد خدي ( سفيتلانا ) قبل أن تقول :

- " ومن قال إنني مستاءة من إقحامِه نفسَه رغماً عني ؟ "

نظر إليها ( لينين ) في ذهولٍ , وقال :

- " مهلاً , هل أنتِ بالفعل يلذّ لكِ أن يراكِ رئيسُكِ _بعد أن عاقبْتُكِ_ مكشوفة المؤخرة ليتأكد من أنكِ نلْتِ  ما تستحقينه ؟ "

هزَّتْ ( سفيتلانا ) رأسَها بالإيجاب , وهي قابضةٌ على شفتها السفلى بأسنانِها , فقرَّرَ ( لينين ) أن يتمادى :

- " وهل يتوقف الأمر عند هذا الحد , أم أنكِ ترغبين في ألا يقتصر على " التأكد " من عقابكِ , وتتمنين أن يزيد فيه ؟ "

نظرَتْ إليه ( سفيتلانا ) في خجلٍ , وقالتْ بصوتٍ يُسْمع بالكاد :

- " هذا سيكون أفضل ! "

هزّ ( لينين ) رأسَه غيرَ مصدقٍ ؛ قبل قليل كان ينوي الاعتذار وتقريع نفسِه على أنه فكَّر في تجاوز حده , والآن يكتشف أنه غير قادر على تجاوز الحدِّ حتى لو أراد ..

استعاد ( لينين ) زمام السيطرةِ , وقال في هدوء :

- " لماذا أردْتِ أن نذهبَ إلى شقتي ؟ "

نظرَتْ إليه ( سفيتلانا ) في ذعرٍ وقد بدا لها أنه فطن للسبب , فقالتْ :

- " بسبب رقة جدران الغرفة ! "

- " لا أعتقد أن هذه هي الحقيقة الكاملة ...رئيسكِ في العمل أثار مشكلة " التأكد " من العقاب هذه بعد أن طلبْتِ أن ننتقل إلى شقتي , بما يعني أنه كان ليرى ما سيحدث لو أنه حدث في الغرفة ؛ لو كان لي أن أتوقع لقلْتُ إن هناك مرآةً سحريةً من ذلك النوع المستخدم في غرف التحقيق بإمكانِه أن يرى من ورائها ما يحدث في الغرفة بدون أن يراه من فيها , أليس كذلك ؟ "

- " في الواقع الأمر أسوء من ذلك , إن الغرفة مدججة بالكاميرات والمايكروفونات , وما يحدث فيها كان مسجلاً بالصوتِ والصورة ليطَّلع عليها المتدربون في الجهاز فيما بعد "

لمعَتْ نظرة شريرة في عيني ( لينين ) وقال :

- " حسناً , هيّا بنا !"

وفتح باب السيارة , فنظرَتْ إليه ( سفيتلانا ) في ذعرٍ , وقالتْ :

- " أرجوك .. أرجوك .. إن ما يدخل في سجلاتِ الجهاز لا يخرج أبداً سيظل عقابي مسجّلاً هناك للأبد ! "

- " وهو المطلوبُ ... الآن لا تزيدي في عقابكِ _ الذي سيبقى مسجلاً للأبد _ وكوني مطيعةً واخرجي من السيارة ! "

نظرَتْ إليه في توسّلٍ , فقال :

- " أتريدين أن أدعو رئيسكِ ليشارك في عقابكِ ؟ أنا واثقٌ أنه سيرى ذلك ضرورياً من أجل ضمان انسيابية العملية وتحقيقها أهدافها ! "

فتحَتْ ( سفيتلانا ) الباب في سرعةٍ , وخرجَتْ من السيارة لتقف بجوارِها وهي تفرك يديها أمام ( لينين )  ؛ من رآها في هذه الحالة ورآها البارحة وهي تصوِّب مسدسها تجاه نفس الرجل لأقسم أن هذه امرأة أخرى ...

سار ( لينين ) تجاهها , وأمسك بيدها وسار بها مرةً أخرى إلى العمارة ودخل إلى محل المقاولاتِ الضيقِ الفارغ ثم طرق البابَ الذي في مؤخر المحل , فأجابه صوتٌ متسائلٌ بالروسية .. فنظر ( لينين ) إلى ( سفيتلانا ) التي ردَّتْ بروسية حاولتْ أن تجعلها صارمةً ولكن الصرامةَ كانتْ قد تبخرَتْ في تلك السيارة , فجاءَ صوتُها رقيقاً عذباً حتى كاد الصوتُ المتسائل أن يَجْهَل صاحبتَه , ولكن الباب انفتح وحاولَتْ ( سفيتلانا ) شرحَ ما حدث , ولكن ( لينين ) تجاهل الرجل الواقف أمامه وسار _ وهو لا يزال ممسكاً بيدها تجاه الغرفة _ كان هذا المكان حصْنٌ لا يدخله أحدٌ أو ينتقل فيه من مكان إلى مكانٍ إلا بإذنٍ , ومع ذلك فقد بدا أن خوف ( سفيتلانا ) مما يوشك أن يحدثَ لها على يد ( لينين ) أكبرَ من خوفِها على ( لينين ) الأعزل الذي يتجول بسذاجة في أرض مسلحة  !

وبدا أن أحد المتواجدين على وشكِ أن يخرج مسدسه , ولكن نظرةً من رئيسِ ( سفيتلانا ) قد نهتْه عن إتمام فعلِه ...

وبدا الاستمتاع واضحاً على وجه رئيسِ ( سفيتلانا ) الذي التقتْ عيناه بعيني ( لينين ) فتبادلا نظرةً تخفي وراءَها اهتماماً مشتركاً بما سيقع بعد قليلٍ للحسناء التي تجرّها يدُ ( لينين ) إلى مكان عقابِها...

وما إن دخل ( لينين ) و( سفيتلانا ) إلى الغرفة وأغلق وراءهما بابَها , حتى انتقل رئيس ( سفيتلانا ) مسرعاً إلى الشاشة التي تعرض ما تسجله الكاميرات , وابتدأ العرضُ ...

صوتُ ( لينين ) الذي اكتسبَ هيبةً مفاجئةً نتيجة ما يُحْدِثُه من أثرٍ في الفتاة الواقفة أمامه ... وصوتُها الذي تحول إلى مواءِ هرةٍ , ولم يعد يحتاج إلى من يترجمه من لغة إلى لغة لأنه صار ذا معنىً إنسانيًّا مشتركاً لفتاة توشك أن تعاقب وتحاول أن تجد مخرجاً من عقابِها المحتّم ...

( لينين ) يشمّر قميصَه ... ( سفيتلانا ) تبلع ريقها بصوتٍ مسموع ... ( لينين ) يجلس على طرف السرير ... ( سفيتلانا ) تنقل وزنها من رجل لأخرى ... ( لينين ) يقبض على ذراعها ويدنيها إليه ... ( سفيتلانا ) تعود لمواء الهرة الذي يرق له كل قلبٍ إلا قلبُ معاقبِها ... ( لينين ) يحيط خصرها بيديه كأنها طفلةُ ستفقد اتزانَها إن لم تحطْ بها يدا والدِها .... ( سفيتلانا ) تضع يديها على مرفقيه وكأنها تطلبُ فعلاً ذلك الاتزان المفقود ... يدا ( لينين ) تنتقل إلى زرّ بنطالها فيعلو المواءُ .... نظرةٌ واحدةٌ يوجهها ( لينين ) لفتاته تجعلها تسكتُ وتستبدل كلامها بنظرات متوسلات... زرّ البنطال يُحَلّ وتنزل سحّابة البنطال إلى نهاية مداها ثم ينزل البنطال إلى ما دون الفخذين ويحاول القميص أن يلحق به ليستر ما انكشف ولكن يقف به الحد عند أعلى الفخذين .... يميل ( لينين ) بفتاتِه فتميل معه ويستقر بها المطاف وقد اتخذتْ من فخذيه أريكة استلقَتْ عليها ... ويرفع ( لينين ) ذيلَ قميصِها ليكشف ما تحته ؛ كان ردفا ( سفيتلانا ) عاريين إلا من التقاء شريطين أحدهما عرضيّ يغطي أعلى الردفين والآخر طولي يغوص بينهما , فجعل ( لينين ) إصبعَه تحت نقطة التقاء الشريطين ثم رفعهما بإصبعه ثم تركهما يصطدمان بالجلد البض تحتهما , وسأل في غضبٍ مصطنعٍ :

- " ما هذا بالضبط ؟ ... ما كان في حكم العدم فلا داعي لبقائه  "

ثم نزلَتْ يدا ( لينين ) بـ(الذي في حكم العدم) إلى أن استقرّ في جوفِ بنطالها , وقال :

- " هل لديكِ شيءٌ تقولينه قبل أن يبدأ عقابكِ ؟ "

- " سأكون فتاةً مؤدبةً ... رجاءً لا تعاقبني ! "

كان صوتُ هذه الغادة ليذيب أقسى القلوبِ ؛ ولكن هناك حصانة لقلوب من تضطرهم الظروف لتولي عقاب هؤلاء الغيد , وكذلك كان قلبُ ( لينين ) , الذي رفع يده وأهوى بها على الردفين الفاتنين ... مراتٍ ومراتٍ ... حتى بدأ لونُهما ينتقل من الابيضاض إلى التورّد ... وبدا أن صاحبةَ الردفين لا ترى في عقابِها ما يسوءُ ؛ بذلك أخبرَتْ آهاتُها الكاذبة بادية التصنع ... فاضطر ( لينين ) أن يلجأ إلى ما يزيد عقابَها .. ونقَّل عينيه حوله فلم يرَ شيئًا يصلح أداةً للمعاقبةِ ... ويبدو أن حيرتَه قد انتقلَتْ إلى حلفائه في الخارج عن طريق الكاميراتِ فقد وجدَ البابَ يُقْرَع , ومع قرعِه علا مواءُ ( سفيتلانا ) المذعور , فقال ( لينين ) في استمتاعٍ :

- " هل لديكِ أي فكرةٍ عن الطارق ؟ "

- " أعتقد أنه جاء في وقتٍ غير مناسبٍ , ربما من الحكمة أن ترجئ الخروجَ إليه حتى تفرغ من عقابي ؟ "

- " إمممم .. هذا قولٌ حكيمٌ ... ولكنْ .... ادخل ! "

عاد المواءُ مع فتحِ الباب , وخطا إلى الداخل شابٌ وسيمٌ يحمل في يده أداةً من الجلْدِ لها مقبضٌ , واقتربَ من ( لينين ) ومن الفتاة الممدة على رجليه , فمد يده بالأداة وقال بعربية ركيكة :

- " تحيات السيد مدير المركز "

وقدَّم الأداة الجلدية لـ ( لينين ) الذي شكره , ثم قال الفتى لـ ( سفيتلانا ) شيئاً بالروسية فيه مواساة مصطنعة , وفَهِمَ منه ( لينين ) كلمتي : بخير , تريدين .. فخمّن أن ما قيل هو شيءٌ على غرار : هل أنتِ بخير ؟ أتريدين شيئاً ؟

وجاءَ جوابُ ( سفيتلانا ) غاضباً , ولم يفهم ( لينين ) من ردِّها شيئاً , فنظر إلى الفتى , وقال :

- " ما الذي قالتْه ؟ "

وردَّ الفتى :

- " تهديدات "

- " تهديدات هه ؟ حسناً ثق أنني سآخذ حقَّكَ وزيادةً , في الواقع لماذا لا تجلس على ذلك الكرسيّ لترى بقية عقابِها بنفسِك , فتلك التهديدات كانتْ موجهةً إليك "

- " لا أرجووووك .. لا تفـ .."

كان هذا صوتُ ( سفيتلانا ) الذي قاطعَه صوتُ شقّ الأداة الجلديّة للهواء قبل أن تصل إلى هدفها الفتّان ... ولم تعُدِ الآهةُ مصطنعةً ... أشار ( لينين ) مرةً أخرى للفتى بأن يجلس فجلس ... ثم استمر ( لينين ) في عقابِ ( سفيتلانا ) حتى بدا له أنها على مشارفِ البكاءِ ... وهنا توقف سقوط الأداة الجلدية على مؤخرتِها التي صارتْ شديدةَ التورّد , وقال ( لينين ) :

- " أيُّ تعليق على فكرة إلقاء تهديداتٍ للآخرين بينما أنتِ على فخذَيْ مَنْ يعاقبك ؟ "

- " أنا آسفة ! "

- " هل توجهين أسفكِ لي أنا ؟ "

عادَتْ ( سفيتلانا ) لقول شيءٍ بالروسية , وإن كانتْ نغمة الأسى لا تحْوِجُ إلى ترجمة , ونظر ( لينين ) إلى الفتى فوجده يخفي ابتسامتَه ليظهر التعاطفَ معها , وقال شيئاً يبدو أنه من قبيل " لقد غفرْتُ لكِ ! " , فقال ( لينين ) :

- " حسناً سأكتفي بهذا هذه المرة , بإمكانكِ أن تنهضي وترفعي بنطالكِ "

كاد ( لينين ) يقسم أنه سمع زفرةَ استياءٍ من الحسناء الممدة على رجليه .. هل كانتْ ترغبُ في المزيد ؟

نهضَتْ من تمدّدِها وقد عاد قميصُها لستْر ما يجبُ سترُه , ولكن نزولَها بجذعها لتلتقط (الذي بحكم العدم) كان ليكشف ما يستره القميصُ , فظلَّتْ واقفةً مكانَها وهي تنظر تجاه الفتى , وكأنها تتمنى أن يخرج من الغرفة , ولم يشأ ( لينين ) أن يزيد في خزيِها , فرفع (الذي بحكم العدم) حتى غاب تحتَ ذيلِ القميص ثم رفع بنطالَها وتركَ لها عقد زرِّه ورفع سحابته , ثم قال :

- " أعيدي هذه الأداة الجلدية لمن جاء بها ! "

أخذَتْها ( سفيتلانا ) في خفرٍ ثم سارت بخطواتٍ متثاقلة إلى المقعد الذي يجلس عليه الفتى الذي كان يجاهد حتى لا تتحول ابتسامتُه إلى قهقهة , ومدَّتْ يدَها بها إليه , ولكن قبْلَ أن تلتقطَها يدُه هوَتْ بها على فخذِه فصرخ الفتى ألماً , وجاء صوتُ ( لينين ) مندهشاً :

- " سفيتلانا !! "

نظرَتْ إليه الفتاةُ اللعوبُ في براءةٍ وكأنها تتساءل عما يريده , فقال في غضبٍ :

- " تعالي هنا ! "

ظلَّتْ تنظر إليه في براءةٍ وطفولية بينما هي تخطو نحوَه , فلما اقتربَتْ منه , بدأ في حلِّ أزرار قميصِها , وسرعان ما هوى إلى الأرض ثم أتبعه بحمالة صدرها ثم حذائها ثم البنطال ثم (الذي في حكم العدم) حتى صارَتْ عاريةً إلا من جوربيها , ثم أمرَها أن تتمدد على السرير وتنتظر بقيةَ عقابِها ... فقالتْ في طاعةٍ :

- " كما تأمر .. "

- " لماذا فعلْتِ ذلك ؟ "

- " لأنه على ما يبدو أنك بحاجة إلى دافع حتى تعاقبني عقاباً فعلياً وتكفّ عن ألعاب الصبيان تلك ! "

نظر إليها ( لينين ) في ذهولٍ , ثم نقل بصرَه إلى الفتى الذي بدا وكأنه يؤمن على قولِها , وخطرَتْ لـ ( لينين ) فكرة لم يكن ليجرؤ عليها لولا جرأة فتاتِه وتبجُّحُها , فقال للفتى :

- " أنتَ من تعرّض لشقاوتِها وأنت من سيعاقبُها "

ابتسم الفتى في جذلٍ , ونظر ( لينين ) إلى ( سفيتلانا ) فرأى في عينيها من الخوفِ ما لم يرَه من قبلُ , فكاد يتراجعُ عن عرضِه لولا أنه استغل عريَها فنظر إلى ثدييها وإلى ما بين رجليها فتيقّن أنها تريد ذلك , ولكنّه طلباً للأحوط مال على أذنيها وقال :

- " إذا لم ترغبي .."

فقاطعَتْه همساً :

- " كف عن طفولتِكَ .. "

فنظر إليها في دهشة لا تخلو من إعجابٍ ثم قال :



- " حسناً إذن .. تمددي على السرير "

وعندما استقرَّ بها الحالُ على السرير مدّ ( لينين ) يدَه ليسلم الأداة للفتى , ولكن الفتى كان قد بدأ في حلِّ حزامِه حتى أخرجه من بنطاله وقبض عليه بيده ثم وقف على جانبِ السرير الأيسر ونزل بالحزام على مؤخرةِ زميلتِه , ففطن ( لينين ) إلى ما عنتْه بألعاب الصبيان ؛ كان أثر تلك الضربة هائلاً على مؤخرتها الحسناء , وقبْل أن يفرغ ( لينين ) من تأمل أثر الضربة كانتْ الثانيةُ قد هوتْ على مؤخرتِها , ثم لحقْتها الثالثة والرابعة والخامسة  ... وكانتْ ( سفيتلانا ) قد بدأتْ في التقلقل على أرجاء السرير من أثر الضرباتِ , وعندما هوَتِ الضربة السادسة على ردفيها كانتْ من القوة بحيث دفعَتْ ( سفيتلانا ) إلى التقلبِ على ظهرها وإمساكِ ردفيها بيديها .... ولدهشة ( لينين ) فقد رأى بوضوح أثر بللٍ في وسطِ الملاءة في حيث كانت ( سفيتلانا ) ممدة قبل أن تنقلب على ظهرِها , وبدا أن الفتى قد فطن لذلك أيضاً , ولكنه كان أكثر جرأة فانحنى على السرير حتى ألصق أنفه بالبقعة الرطبة ليشمّها , ثم _ كأن هذا لا يكفي _ فقد غمس إصبعه فيها ثم وضعه في فمه ... وقال شيئًا بالروسية ازداد له احمرارُ خدَّي ( سفيتلانا ) حتى كاد الدم ينفجر منهما ....

قرَّرَ ( لينين ) أن هذا فوقَ طاقتِه على التحمل ... ربما في مناسباتٍ قادمة يمكنُه أن يستوعب كل هذه الأحداث , وكل هذه الجرأة ... أما الآن فهو يفضل أن يتخيل هذه الأحداث على أن يراها حقيقة ؛ إنه لم يصبْ بضغطٍ ولا بسكرٍ ولا بمشاكل في القلب بعدُ , ولكنه في الأربعين وعليه أن يراعي صحتَه وألا يعرض نفسَه لكل هذه المفاجآتِ في يومٍ واحدٍ ...

بدا أن ( سفيتلانا ) قد فطنَتْ إلى أن ( لينين ) على الأغلب قد عاش عقوداً دون أن يرى امرأةً عارية على أرضِ الواقع ... وأنه ربما تظاهر بإمساكه بزمام المبادرة , إلا أن كل هذا جديدٌ بالنسبة له ... فقالتْ :

- " أعتقد أن السيد ( لينين ) لا يريد أن يستنفد كل الخياراتِ من أول جلسة ... ويريد أن يدخر شيئاً للمراتِ القادمة , فلننهِ الأمر عند هذا الحد هذه المرة "

سأل ( لينين ) في اندهاشٍ :

- " مرات قادمة ؟ "

- " بالطبع , إن ابن أختك سيحتاج إلى وقتٍ حتى يتقن التعامل مع أجهزة أكثر تعقيداً من حاسبه البسيط , ثم بعد ذلك قد يحتاج وقتاً طويلاً حتى يخترق كل تلك الحواسب المختلفة ... طيلة تلك الفترة من المفترض أن " نشتري ولاءَكَ " بهذه الطريقة , حتى تستمر في التعاون معنا ! "

- " ثم في يومٍ ما ستقطعون الوسيطَ و"تشترون ولاءَ " ابن أختي مباشرةً "

قالتْ ( سفيتلانا ) في عبثٍ  :

- " حتى يبلغ النضج الجنسي ثم نكتشف أن لديه سرًّا مثل سرّك , وأنه مستعد للتعاون معنا نظير إشباع رغباته ... حتى ذلك الحين  فلدينا أعواماً لا زلْنا نحتاجُكَ فيها كوسيطٍ "

ثم أضاف زميلُها بعربيّته الركيكة :

- " وأعتقد أن ( سفيتلانا ) ليستْ بحاجة إلى دافع حتى تستمر في هذه الألعاب معك ! "

نظر ( لينين ) إلى الحسناء العارية الممددة على السرير , فرآها تهز رأسَها موافقةً على قول زميلِها , ثم أضافَتْ :

- " كما أنك صرْتَ بصورة أو بأخرى عضواً في الفريق , لا أعتقد أنني بحاجة إلى إذن مواعدةٍ حتى ألقاك خارج نطاق العمل ! "

جاء صوتٌ من مكبِّر صوتٍ لا يدري أحدٌ متى زُرِع في تلك الغرفة قائلاً بعربية ركيكة أيضاً :

- " لا بد من إذن مواعدة إن كان الشخص الذي ترغبين في مواعدته ليس عضواً في الجهاز .. شكراً "

فضحكَتْ ( سفيتلانا ) , وقالت :

- " حسناً , ليس إلى هذا الحدِّ , ولكن على الأقل لن توجد موانعُ تحول دون منحي إذنَ مواعدة معك "

عاد الصوتُ مرةً أخرى , وإن كان فيه رنة هزل :

- " لا يصح لعضو الجهاز أن يتنبأ سلفاً بنتيجة إذن المواعدة ... هذه جريمة تستحق العقاب "

نظر إليها ( لينين ) فوجدها تدير عينيها استهجاناً , فخمّن السبب :

- " ستصيرين نكتةً بين زملائك , وكلما اختلفْتِ مع أحدٍ سيذكّركِ باحتمال ( عقابكِ ) على ما فعلتِهِ , أليس كذلك ؟ "

هزَّتْ رأسَها بالإيجاب ثم قالتْ :

- " المشكلة أن أحداً لن يجرؤ على تنفيذ ذلك , سيظلون يذكرونني بعقابي ثم لا يعاقبني أحدٌ ! "

تطوّع زميلُها بالقول :

- " أنا مستعد للتنفيذ ! "

- " حسناً فصار لديّ معاقبان أحدهما طفلٌ لا يزيد على التربيت على مؤخرتي .. يا لسعدي ! "

عاد الصوتُ يدوي في مكبر الصوتِ :

- " (سفيتلانا) !  برجاء التوجه لمكتبِ المديرِ حالاً ؛ إنه يريد تصحيح تلك المعلومة التي ذكرْتِها مؤخراً عن وجود شخصين فقط مستعدين لعقابك ! "

هنا تدخل ( لينين ) في الحوار :

- " المعذرة سيادةَ المتحدث , أعتقد أن عليّ أنا أن أصحح كَوْنَ أحدِ المعاقبين لا يزيد على التربيت على مؤخرتها , ثم بعد ذلك يمكن أنت أن تصحح كونهما اثنين فقط  "

جاء صوتُ مكبر الصوت :

- " هذا يبدو عادلاً ... فلتشرعْ في ذلك إذاً ... أيها الرفيق ( لينين ) "

لم يستطع صاحب الصوتِ منعَ نفسِه من الضحكِ , كما أن ( سفيتلانا ) وزميلَها قد انفجرا ضاحكَين أيضاً , ونظر إليها ( لينين ) مغضباً فكفَّتْ عن الضحك وعادتْ لدلالِها ونظراتِها المتوسلة , وشعر زميلُها بما يدور بينهما , فقرَّرَ الانسحاب من الغرفة في هدوءٍ تاركاً ( لينين ) يكرِّرُ ما صنعه هو قبل قليل ويحلّ حزامَه من بنطالِه ثم يقبض عليه في يده , ويقول في صرامةٍ لا يدري من أين أتَتْ :

- " لا يزيد على التربيتِ على مؤخرتِكِ هه ؟ استلقي على بطنكِ حتى أريكِ كيف يكون التربيتُ على مؤخرتك ! "

عادَتْ نظرةُ الرعبِ لعيني ( سفيتلانا ) فلم يتمالكْ ( لينين ) نفسَه من الخروج من الدور وسؤالِها في قلق إن كانتْ توافق على ذلك , فنظرَتْ إليه في عبثٍ وقالتْ :

- " ( لينين) يا عزيزي , أنا متفهمة أنك نشأتَ في بيئةٍ يحتاج الرجل فيها ألا يضغط على المرأة وإلا كُسِرْتَ , ولكن دعني أرِكَ شيئًا "

قبل أن تُنْهِيَ جملتَها كان ( لينين ) قد صار في مركز إعصار من الدرجة الخامسة ؛ لم يدرِ متى قامتْ من اضطجاعها على السرير , ولا كيف سقط الحزامُ من يده , ولا كيف وجد نفسَه فجأة مُلْقًى على الكرسي ليستقر عليه وهي جالسة في حضنه وقد أحاطَتْ قدميه برجليها ومالتْ عليه لتقبله قبلةً عميقةً , ثم ابتعدَتْ بشفتيها عن فمه لتقول:

- " عندما لا أوافق على ما تصنعه بي  فإنك ستدرك ذلك , أو إنْ كنْتَ سيء الحظ فقد لا تعيش حتى تدركه حتى ؛ ولذا أتوسل إليكَ أن تكف عن قلقِكَ الطفوليّ هذا وأن تنزل ذلك الحزام بكل ما أوتيته من قوةٍ على مؤخرتي "الرقيقة" , ولا تكفّ حتى تكل يدُك اليمنى عن استعمال الحزام فتنقله إلى اليسرى وتستمر في عقابي حتى تكلّ اليسرى أيضاً ... وحينَها .. ربّما .. ربّما ... سأكون نادمةً _ إلى حدٍّ ما _ على ما استحقَقْتُ العقابَ بسببه ... ولكنني على الأغلبِ سأكون منشغلةً عن الندم بالاستمتاع بالعقابِ , هل هذا يزيل مخاوفَكَ ؟ "

- " من أين أتيتِ بالضبط ؟ "

- " نيشني نوفجرود ! "

- " هل كل النساء هكذا في نيشني نوفجرود ؟ "

- " لا أعتقد ! لقد حالفك الحظّ ووقعْتَ على الجوهرة الفريدة بينهنّ "

- " بلا ريبٍ ! "

- " هل تريدني ممددةً على السرير ؟ "

- " أعتقد أنني سأجرب شيئاً آخر ! إنني أريد أن أرى وجهك الأقمر أثناء عقابكِ , هل لديكِ حلٌّ لذلك ؟ "

- " ممددة على السرير , ولكن مرفوعة الرجلين في الهواء , دعني أرِك ! "

ومع قولِها هذا نهضَتْ من حضنه وتوجهَتْ إلى السرير ثم استلقتْ على حافة السرير بظهرِها وجعلَتْ عدداً من الوساداتِ تحت رأسها ثم رفعتْ رجليها وباعدتْ بينهما فبدا وجهها الجميل من بين رجليها , ونظرَتْ إلى ( لينين) لتجد عينيه مثبتتين على رجليها ؛ أو على ما بينهما للدقة ... فتنحنحتْ بصوتٍ مرتفع ثم قالتْ :

- " لقد ظنَنْتُ أن الفكرة هي أنك تريد رؤية وجهي ! "

- " كان هذا قبل أن تُخْطَفَ منه الأضواءُ ! "

قالتْ ( سفيتلانا ) في دلالٍ :

- " وما الذي خطف منه الأضواءَ ؟ "

نظر ( لينين ) إلى الشقراء الفاتنة , وعيناها تنظران إليه في رغبةٍ من بين رجليها المنفرجتَيْن  .... وكأنها قد تحوَّلَتْ إلى دعوة مفتوحة ليلتهمها النظرُ وغيرُ النظرِ .. ولكنها في الوقت نفسِه قادرة على منع ما لا تريده .... فليس مضطراً لينهى نفسَه عن فعل ما يهواه خوفاً من تجاوز حدِّه .. كان هذا  أكثرَ ما يخيفُه من علاقتِه بامرأةٍ ما ؛ ليس أن يبغضها أو أن تضايقَه , وإنما أن يفقد قدرتَه على ضبطِ نفسِه فتعجزَ هي عن ردِّه فيظلمَها ؛ كان يرى نفسَه كحيوانٍ مفترسٍ له عقل إنسان ؛ والحيوان يرغب فيما لا تريده المرأةُ والإنسان يندم على تلك الرغبةِ الحيوانية التي تسبَّبَتْ في ظلم ذلك الكائنِ الرقيقِ .... أما ما يراه الآن في هذه اللحظة من تلك الشقراء الفاتنة فكان أكثر مما يطمح فيه في امرأة ؛ مطلق الجمال ومطلق القدرة , ووجد ( لينين ) نفسَه يقول  بصوتٍ مبحوحٍ :

- " ( سفيتلانا ) , لقد عشْتُ حياتي كلَّها أحاول ألا أقع في هوى أيّ إنسانٍ وأعتقد أنني بعد أربعين سنةً من النجاح في ذلك أنني اطمأنَنْتُ إلى أن لحظة الإخفاق لن تأتي أبداً , ولكنْ  .... ( سفيتلانا ) أعتقد أنني مغرمٌ بكِ ! "

- " إن قولاً بهذا العاطفية يستحق أن يُذْكَرَ فيه اسمي الحقيقي "

- " وهو ليس ( سفيتلانا ) على ما أعتقد ؟ "

- " بالطبع لا , ولكنك ستسغرب , يا ( لينين ) " وغمزَتْ بعينها " إذا علمْتَ ما هو ! "

فكَّر ( لينين ) للحظة ثم فطن لما تقوله :

- " (ناديا) ؟ "

جاء الصوتُ هادراً من مكبِّر الصوت , بالروسية هذه المرة , ولكنه ابتدأ بمنادتِها بـ ( نادتشدا ) ...

عندما فرغ مكبر الصوت من الصراخ نظرتْ ( سفيتلانا / ناديا ) إلى ( لينين ) وقامتْ من رقدتها على السرير وبدأَتْ في ارتداء ملابسِها ثم قالت ولا يزال العبثُ بادياً في صوتِها :

- " يبدو أنني ارتكبْتُ خطأ جديًّا هذه المرة, سأذهب لتلقي عقابي _ الذي أرجو ألا يكون خصماً مالياً , لأن ما سوى ذلك لا يؤثر فيّ _ ثم أعود حتى تُكْمِلَ تربِيْتَكَ على مؤخرتي "

ثم غمزَتْ له وانصرفَتْ من الغرفة وهي تُكْمِلُ عَقْدَ أزارِ قميصِها ...

بينما ظل ( لينين ) وحيداً في الغرفة وهو يفكّر في أحداث الأربع والعشرين ساعة الماضية , وكلما ازداد إمعاناً في التفكير في ذكريات ذلك اليوم ازداد حبُّه لـ ( زفيتلانا ) أو ( ناديتشدا ) أو أياً يكن اسمُها ؛ تلك الغادة الشقراء ! 
_________________________________________







ليست هناك تعليقات: